حتى تكف مستشفياتنا عن أن تكون أماكن لقتل المرضى - منى مينا - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى تكف مستشفياتنا عن أن تكون أماكن لقتل المرضى

نشر فى : السبت 28 أبريل 2012 - 12:15 م | آخر تحديث : السبت 28 أبريل 2012 - 12:15 م

تلهث كل وسائل الإعلام هذه الأيام خلف أخبار انتخابات الرئاسة ومرشحى الرئاسة.. لا ننتبه وسط هذه المعركة إلى أن موازنة مصر لعام 2012/2013، وضعت بالفعل فى الوزارات المختلفة، والمفترض أن تبدأ المناقشات حولها فى مجلس الشعب هذه الأيام، لتقر فى شهر 6 ويبدأ العمل بها من 1 ــ 7.. ولكن هل وصلت الموازنة فعلا لمجلس الشعب؟ ما هى الخطوط العريضة لها؟ هل زادت نسبة الصحة والتعليم كما نأمل؟ وهل حاولت الموازنة الجديدة أن تلبى أيا من مطالب العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التى رفعتها الثورة؟ أليس من حقنا أن نطلع على مشروع الميزانية للعام القادم، ونناقشه بشكل مجتمعى واسع، حتى نتجنب أن نعانى لعام جديد من ميزانية منسوخة من ميزانيات الهارب «يوسف بطرس غالى»؟

 

كل هذه الأسئلة لا تجد من يهتم بالإجابة عليها، أما مطالبتنا بإصلاح أحوال الصحة فى مصر وأحوال مقدمى الخدمة الصحية، وزيادة ميزانية الصحة إلى 15% من الموازنة العامة للدولة، حتى نستطيع أن نعمل بكرامة ونحيا بكرامة ونعالج مرضانا بشكل يحفظ كرامتهم، هذه المطالب يرد عليها «ولكن الأطباء مهملون.. والمستشفيات تقتل المرضى.. حسنوا أنفسكم أولا..» وللأسف هذا الكلام فيه جزء من الحقيقة، هناك الكثير من الإهمال فى مستشفياتنا، وهناك أيضا الكثير من التخبط وعدم وجود الخبرة الكافية، وعدم توافر إمكانيات العلاج، وعدم توافر الحد الأدنى المطلوب من شروط مكافحة العدوى أو حتى شروط النظافة.. فكيف نعالج كل هذا لتكف مستشفياتنا عن أن تكون مكانا لقتل المرضى؟

 

نعالج هذا الوضع عندما نوفر ميزانية للصحة توفر الدواء ومستلزمات العلاج الأساسية للمرضى.. وعندما نوفر أجرا معقولا وكريما للطبيب والفنى والممرضة، يسمح له بأن يأتى للنوبتجية بعد أن يكون قد أخذ قسطا كافيا من الراحة والنوم، بدلا من الوضع الحالى الذى يأتى فيه هؤلاء لعملهم بعد نوبتجية أخرى فى مستشفى خاص، حتى يستطيعوا أن يوفروا لأنفسهم أبسط مقومات الحياة.. نعالج هذا الوضع عندما نشترط ألا تزيد نوبتجية الطبيب عن 8 ــ 12ساعة (حسب القسم) حتى يستطيع أن يلتزم بالعمل المتواصل طوال وقت النوبتجية، أما نوبتجيات الـ24 ساعة فبالتأكيد سيتخللها أوقات راحة ونوم وطعام، مما يخل بضرورة حضور الطبيب فور الاحتياج له.. نعالج هذا الوضع عندما يصبح عدد مرضى القسم الداخلى مع  الممرضة الواحدة لا يزيد على 10 مرضى، أما أن نلزم الممرضة بمراعاة 30 أو 40 مريضا ثم ندين بطئها فى الاستجابة لمطالب المرضى، فهذا محض عبث!! نعالج هذا الوضع عندما تقر السياسات والقوانين الصحية فى بلادنا وبوضوح، أن التنمية الفنية والمهنية للعاملين بالصحة من أطباء وفنيين وتمريض، هى جزء أساسى من مسئولية المؤسسة الصحية العاملين بها، وأن نفقات هذه التنمية المهنية هى جزء أساسى وضرورى من نفقات الخدمة الصحية بالمؤسسة.

 

نعالج هذا الوضع عندما نضع خطة مشتركة بين كليات الطب ووزارة الصحة لاستيعاب كل الأطباء الراغبين فى التقدم للدراسات العليا، بدلا من الوضع الحالى الذى يسمح بأن يجد ثلث الأطباء فقط فرصة للدراسات العليا.. يقاتل الأطباء حاليا من أجل فرصة تسجيل للدراسات العليا، وترفض الجامعات الكثيرين منهم، رغم أن تكلفة الدراسة على الطبيب، وهى أكثر من 2000 جنيه فى العام الدراسى الواحد.. ثم نعود لنعاير من لم نوفر لهم فرصة للدراسة بضعف مستواهم العلمى وجهلهم!!

 

كل ما سبق ليس محاولة منى للتبرير لأخطاء الأطباء أو تقصيرهم، بالطبع هناك أخطاء وهناك إهمال، وبالطبع إذا كنا نريد إصلاح المنظومة الصحية فى مصر فيجب أن نرفض كل صور الإهمال أو التقصير، ولكن إدانة تصرف خاطئ من هذا الطبيب أو ذاك، والتأكيد على إدانة كل صور الإهمال، كل هذا لن يغير شيئا من الوضع الكارثى الحالى، أحاول أن أوضح أن هناك فى مستشفياتنا وضعا يصعب جدا على أى طبيب أو ممرضة، أن يقدم نوع الخدمة الطبية التى ترضى المريض أو ترضى ضمير مقدم الخدمة نفسه، هناك وضع لابد أن ينتج عنه الكثير من الأخطاء ومن التقصير، بل ولا بد أن ينتج عنه علاقة متوترة بين الطبيب ومرضاه.. لذلك فإذا كنا نريد حقا أن نصلح الأخطاء، فيجب أن نوفر ظروف عمل محترمة، ونضع ضوابط وقواعد عملية وعلمية لتنظيم العمل بشكل جيد، ويجب أن نوفر ميزانية للصحة تسمح بتمويل هذه الخطط الطموحة، حتى نستطيع أن نحاسب بحسم بل وبقسوة كل من يهمل أو يقصر.. بهذا وبهذا فقط يمكن أن تكف مستشفياتنا عن أن تكون مكانا لقتل المرضى..

التعليقات