«مصر أهم» - منى مينا - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مصر أهم»

نشر فى : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 سبتمبر 2012 - 8:00 ص

«مصر أهم» هو اسم حملة إعلامية، تعمل حاليا فى مختلف وسائل الإعلام، لتهاجم انتشار التظاهرات والاعتصامات، التى يرى المسئولون أنها تعطل عجلة الإنتاج، يأتى فى الإعلان شاب، يوحى مظهره بالجدية والإخلاص، ليسير حاملا لعلم مصر، وسط مجموعة من المواطنين البسطاء المعتصمين على شريط للسكة الحديد، ثم ينهض المعتصمون ليسيروا خلفه، فاضين لاعتصامهم، لأنهم اقتنعوا أن مصر أهم، بينما صوت المعلق يؤكد «لو ليك حق هتاخده»! طبعا لم يوضح لنا الإعلان ما هو سبب جلوس هؤلاء المواطنين على شريط السكة الحديد؟ ولم يوضح لنا أيضا ما هو الطريق البديل، الذى يقدمه لهم لأخذ حقوقهم.

 

طبعا أنا أتفق أن مصر أهم، ولكنى أتساءل «مصر أهم» من ماذا بالضبط؟ هل مثلا مصر أهم من المصريين؟ أو بسؤال آخر هل مصر هى معنى هلامى مجرد منفصل عن مصالح واحتياجات ملايين المصريين، الذين يجأرون بالشكاوى، للمطالبة بأبسط حقوقهم، وعندما يفيض بهم الكيل من تجاهل المسئولين لهم، ويضطرون للتظاهر أو الاعتصام أو الإضراب، نواجههم بحملات من قبيل «مصر أهم»، التى تحمل فى ثناياها اتهاما لهم بعدم الوطنية، وعدم الالتفات لمصلحة الوطن؟ ونواجههم أيضا بقوانين، تعاقب على قطع الطرق، وبمشاريع قوانين تعد حاليا لتلزم المظاهرات بأخذ إذن مسبق وإلا وقع المتظاهرون تحت طائلة القانون.

 

الحقيقة أننى تعرضت مرتين لمشاكل ناجمة عن قطع الطرق بسبب اعتصام المواطنين عليها، إحداهما عندما قطع عمال مصنع الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية لأنهم لم يصرفوا رواتبهم لمدة ثلاثة أشهر، والثانية كانت بسبب قطع طريق السكة الحديد من أهالى قرية يعانون انقطاع المياه والكهرباء، لعدد من الأيام لا أعرفها بالضبط.. السؤال هنا، هل يستطيع أحد أن يلوم عاملا لا يصرف راتبه لشهور متتالية، أو مواطنا يعيش بلا مياه ولا كهرباء لأيام متتالية، عندما يقطع الطريق ليجد من يلتفت لمعاناته؟ هل يستطيع أحد أن يلومه أو يزايد عليه بشعار مثل «مصر أهم»؟ وهل يتخيل أى ممن يدينون ظاهرة الاعتصامات والإضرابات، مدى المعاناة والإحباط واليأس الذى يشعر به المواطنون حتى يضطروا لمثل هذه الخطوة، بعد أن تبح أصواتهم باستخدام غيرها من طرق الشكوى والاحتجاج دون أن يجدوا أى استجابة؟

 

●●●

 

المشكلة أن الاتجاه الذى يشير له مشروع القانون الذى تقدمه الداخلية حاليا لرئيس الجمهورية، لإلزام المظاهرات بأخذ إذن مسبق من الداخلية، وإلا تعرض المتظاهرون للعقوبة، وتشدد هذه العقوبة فى حالة تعطيل المرور، كل ذلك يدل على أن النية تتجه لرفع عصا الأمن الغليظة ضد الاحتجاجات بدلا من مواجهة الأسباب المعروفة والمتكررة لآلاف المظاهرات والاحتجاجات، والتى تنحصر بالأغلب فى البحث عن فرصة العمل، ولقمة العيش، وكوب الماء لمدة 4 سنوات متتالية، اثنتان منها قبل الثورة واثنتان بعدها، كانت بلادنا مسرحا لأعلى معدل للإضرابات فى العالم، أهم مطلب لهذه الإضرابات ــ المتهمة بالفئوية ــ هو تحسين الأجور، ولم يفكر السادة المسئولون المحترمون بعد كل هذه الإضرابات فى سن وتطبيق قانون حقيقى للحد الأدنى والحد الأقصى للأجور.. ولكنهم للأسف فكروا فى الخروج علينا بحملات إعلامية من قبيل «مصر أهم» وبمحاولة لعودة المواجهة الأمنية للمطالبين بحقوقهم.. لذلك حق علينا أن نذكرهم أن أشباه هذه المحاولات قد فشلت قبل الثورة.. فهل يتوقعون نجاحها بعد الثورة؟

 

بالفعل أنا أتفق أن «مصر أهم» ولكنها أهم فى رأيى من جشع «اللوبى» الذى نجح لحكومات متعاقبة بعد الثورة ــ تماما كما نجح قبل الثورة ــ فى رفض كل ما طالبنا به من فرض ضرائب تصاعدية، ووضع حد أقصى وحد أدنى للأجور، وفرض ضرائب على أرباح البورصة، وإلزام كبار رجال الأعمال بدفع ثمن الطاقة التى تستهلكها مصانعهم، خصوصا أن إنتاج هذه المصانع يباع فى الأسواق المصرية بأعلى من السعر العالمى.. طالبنا بهذه المطالب وبغيرها، حتى تستطيع الدولة أن تمول هيكلا عادلا لأجور العاملين، وحتى يجد المواطن كوب ماء نظيفا، وسقفا يستره، ومدرسة محترمة لابنه، ومستشفى نظيفا إذا مرض... لكن يبدو للأسف أن آذان المسئولين دائما ما يصيبها الصمم تجاه مطالبنا البسيطة.

 

●●●

 

ختاما أتمنى أن يجيبنى أحد موجهى وممولى حملة «مصر أهم»، هل هم مستعدون للتنازل عن جزء من مكاسبهم الطائلة، لتأسيس مجتمع العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، الذى ثار الشعب المصرى للمطالبة به، كطريق وحيد يكفل وقف ظاهرة الاحتجاجات والإضرابات، عن طريق تلبية مطالبها العادلة؟ أم أن هذا الوعظ الأخلاقى والمزايدة الوطنية موجه فقط للمواطنين البسطاء الذين نطلب منهم أن يعيشوا، دون أجر أو دون عمل، دون صحة ودون تعليم، وأحيانا دون مياه؟ أم أن السادة المسئولين يعتمدون على قوانين تقيد الحريات التى تعد لنا، والتى تنذر بمرحلة جديدة من القمع مثل تلك التى ثرنا عليها بالأمس القريب؟

 

التعليقات