على فرزات.. سلامتك - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على فرزات.. سلامتك

نشر فى : الأربعاء 31 أغسطس 2011 - 1:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 أغسطس 2011 - 1:10 م

 تكرر معه المشهد المعهود: هو عائد من عمله فى الخامسة صباحا. سيارة حديثة، بيضاء اللون، تتجاوزه، تسد عليه الطريق. ينزل منها أربعة بلطجية، يفتحون باب عربته، يوجهون له عدة لكمات. يجرجرونه إلى سيارتهم، ينهالون عليه ضربا، يركزون على العينين والأصابع، ينطلقون به كى يلقونه، داميا، متورم الوجه، على طريق المطار. ولا يفوت أحدهم أن يقول له «كى تعرف ترسم وتعتدى على أسيادك».. مواطن شريف يحمله إلى المستشفى، ثم تنقله أسرته إلى البيت تجنبا لما يمكن أن يفعله نظام فى مرحلة التداعى والانهيار، يدافع عن بقائه المستحيل بكل ما يملكه من خسة ووحشية.

على فرزات، فنان الكاريكاتير الذى جعل موهبته الكبيرة فى خدمة الشعب السورى الذى يستحق العدل والحرية والكرامة، وبالتالى كان لابد أن يصطدم بنظام قائم على الظلم والاستبداد والفساد، وتحولت رسومه اليقظة، الذكية، إلى منشورات احتجاج تغنى عن مئات الصفحات. انهال بلوحاته على سلطة باطشة صورها فى هيئة رجل بدين، ضخم الكرش، غبى، وحشى الملامح، يبتلع فى فمه الواسع مواطنا لا يظهر منه إلا قدميه، أو يقف وراء عامل نحيل يقبض مرتبه، لكن يد الرجل البدين الطويلة تمتد لتقبض مستحقاته بدلا منه، أو يتهيأ ليفتح صنبور المياه على بانيو يمتلء برزم مالية يريد غسلها، أو يجلس أمام التلفاز متأثرا بلقطة رومانسية بينما فى مقدمة الحجرة مواطن معلق من ذراعيه وقد قطعت كفه وقدمه، أو يخطب وحيدا فى مكان أغرقه الطوفان ولا يبقى فيه إلا أجزاء من أذرع تبدو وكأنها تريد النجاة.. اندلعت الثورة، زاد القمع، وأصبحت السلطة ذئبا شرسا جريحا، أنشب مخالبه فى عنق مغنى الثورة، إبراهيم قاشوش الذى قتل ذبيحا. رسمه فرزات، بخطوط رقيقة، ممدا على الأرض، تسيل من حنجرته حروف الموسيقى بدلا من الدم.

بالنسبة لعلى فرزات، لم تكن حركة الغدر به، وضربه، هى الأولى من نوعها، فبعد أن أصدر مجلته الناجحة «الدمرى» بتصريح من بشار الأسد فى بدايات حكمه، رأت السلطة أن رسومها حطمت الخطوط الحمراء، فسيرت مظاهرة ضد صاحبها، وفى ذلة لسان من قائد المظاهرة، اعترف أنه من المخابرات! وأغلقت الجريدة عام 2003، بعد سنتين من ظهورها.. وأذكر أنى حين التقيته فى دمشق، بعد عدة أعوام، كان كعادته، وطبيعته، وديعا، متفائلا، نشيطا، حدثنى عن تجهيز قاعة الفن الساخر، كبديل للصحيفة، ورأيت فيه عزيمة تمشى على قدمين، وبدا لى فنانا لا يعرف الخوف طريقا إلى قلبه.. وهذا ما أكدته الأيام، ذلك أنه، بوعى عميق وإرادة من حديد، وقف إلى جانب شعبه الثائر، وأدرك أن الدم المسفوك يعجل بسقوط النظام، ووجه رسالة لصديق الأيام الخوالى، بشار الأسد، يقول فيها «إن أردت الخروج من الحفرة، فعليك التوقف عن الحفر». ولم يفته أن يرسم الرئيس الحائر، المهزور، جالسا على ذراع الكرسى، لأن قعدته المهترئة، اخترقتها السست، بأسنانها الحادة، المدببة.. وبدلا من أن يصغى النظام التعيس لحكمة فرزات، وبدلا من أن ينظر لنفسه فى مرآة الفنان، أرسل له شذاذ الآفاق، الذين سيواجهون حتما، لحظة تصفية الحساب.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات