سنوات المجد والدموع - كمال رمزي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 2:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سنوات المجد والدموع

نشر فى : السبت 17 سبتمبر 2016 - 9:15 م | آخر تحديث : السبت 17 سبتمبر 2016 - 9:15 م
فى أواخر الستينيات، كانت الأتوبيسات هى وسيلة المواصلات الأساسية.. كنا، سكان أرض النعام، نعرف وجوه بعضنا بعضا، من دون معرفة شخصية.. الكثير منا، دأب على ركوب الأتوبيس الذاهب إلى آخر محطة، عين شمس، ليضمن مقعدا، يوصله، مستريحا، إلى جامعته.. من بين هذه الوجوه المألوفة، وجه فتاة رقيقة الملامح، بسيطة الملبس والمكياج، واثقة من نفسها، ما إن تجلس فى المكان الخالى حتى تفتح كتابا أو مجلة، لا ترفع عينيها عما تطالعه إلا حين تصل إلى جامعة عين شمس. تغادر، بكل جدية، مع المغادرين، متجهة نحو بوابة الجامعة.. لفتت نظرى، بقوة، عندما رأيتها تقرأ مجلة «الطليعة»، «طريق المناضلين إلى الفكر الثورى المعاصر»، حسب الشعار المكتوب على غلافها.. فى إحدى المرات، فوجئت بها تقرأ مقالة لى، بملحق الأدب والفن، بذات المجلة طبعا. حاولت تلمس انطباعها، لكن ملامحها المحايدة تماما لم تقدم إجابة.. كدت أسألها عن رأيها، لكن السياج، غير المرئى، الذى تحيط به نفسها، وخوفا من أن تعتبرنى متطفلا، جعلانى أصرف النظر عما تمنيته.

بعد سنوات، طالعتنى صورتها، على موضوع كتبته فى «روزاليوسف»، ممهورا باسمها: راوية راشد.

لاحقا، أثبتت الفتاة حضورها. توالت أعمالها، فى عالمى الأدب والتلفاز. العلاقة بينهما وثيقة. كتبت روايتى «هوس البحر»، «صمت الريح».. قدمت برنامج «خلف الأسوار»، حولت كتابها «نازلى، وملكة فى المنفى»، إلى مسلسل أخرجه «محمد زهير رجب ــ وائل فهمى عبدالحميد» عام ٢٠٠٠.. صدر لها، حديثا، كتاب «يوسف وهبى، سنوات المجد والدموع».

يوسف وهبى «١٨٩٨ ــ ١٩٨٢»، صاحب الشخصية العاصفة، المتوثب، القافز فوق الصعاب، المغامر، المؤمن بالفن، الذى ذاق حلو الحياة ومرها، المواجه، بشجاعة، الفشل بعد نجاح، المصر، بإرادة من حديد، على النهوض بعد سقوط، تتابعه الكاتبة، على مدى «٢٣١» صفحة، من القطع الكبير، لا يستغرقها مشوار يوسف وهبى فحسب، بل ترصد معالم وأعلام عصر كامل، بأجوائه التاريخية، من حروب وتغيرات اجتماعية، إلى حضور كتيبة الفنانين: جورج أبيض، روزاليوسف، عزيز عيد، أمينة رزق، محمد عبدالوهاب، فاطمة رشدى.. وآخرين.

عشرات الوقائع والعلاقات تتوالى فى صفحات الكتاب، مكتوبة بأسلوب روائى شائق، بعضها يبين بجلاء طبيعة الأبطال، مؤكدا على دور يوسف وهبى فى اكتشافه للمواهب، ثم رعايتها.. وبعضها الآخر، يفتح أفق النقاد والدارسين، لمعرفة الفروق الدقيقة بين أساليب التمثيل.

تحكى راوية عن حسن البارودى «١٨٩٠ ــ ١٩٧٤»، أنه عمل ملقنا فى «فرقة رمسيس».. فى إحدى الليالى، دبت معركة حامية بينه وبين أحد العمال. صعد إلى حجرة صاحب الفرقة، ليروى له كيف أغلق العامل باب الكمبوشة، مما أدى إلى بقاء البارودى، حبيسا، لأكثر من ساعة.

يوسف وهبى، لم يكن يصغى للتفاصيل، بقدر ما كان يتأمل طريقة حسن البارودى، بصوته المؤثر، المتميز، فضلا عن تغيرات وجهه المرهفة.. فورا، سأله : «هل تحب أن تصبح ممثلا».. عندئد، خرج البارودى من الكمبوشة إلى خشبة المسرح.

لأنور وجدى، وعبدالسلام النابلسى، حكاية موازية.. الشابان، دأبا على الذهاب، كل مساء، إلى مسرح رمسيس. العمال يمنعونها من دخول الكواليس أو مقابلة يوسف وهبى.. فى إحدى الليالى من عام ١٩٣٢، علا صوتهما إلى درجة جعلت صاحب الفرقة يوافق على حضورهما إلى مكتبه.. قال أنور وجدى، الغاضب: «لو عايز أقابل الملك كنت قابلته».. سأل يوسف وهبى، على نحو تعمد أن يبدو مغرورا «أديك قابلت الملك.. عايز إيه».. فورا، أجاب عبدالسلام النابلسى، بعجرفته المعهودة: «عايزين نمثل طبعا».. بعينه الفاحصة، أدرك يوسف ما ينطوى عليه الشابان من قدرات.. ألحقهما بالفرقة.

انضم جورج أبيض إلى فرقة رمسيس، فى العام ١٩٢٤، وسط موجة دعاية هائلة، يجيدها يوسف وهبى.. لكن سرعان ما دب الخلاف بين أبيض وعبيد، ثم بين جورج أبيض ويوسف وهبى.. فى تقديرى بسبب اختلاف الأساليب: جورج أبيض، الكلاسيكى، المعتمد على الحضور المطلق للممثل، الأميل إلى فخافة الأداء، يتناقض مع حداثة عزيز عيد، المهتم بالإضاءة، حركة الممثلين المتوافقة مع الموسيقى المصاحبة، مع الميل لواقعية الأداء.. لذا، غادر عزيز عيد الفرقة، لتأتى «لويس السادس عشر» حسب هوى جورج أبيض.. ثم اندلع خلاف حاد بين جورج أبيض ويوسف وهبى، مع إخراجه الأخير لـ«عطيل».. أراد يوسف وهبى، بنزعته الميلودرامية أن يسقط «عطيل» أرضا، فى مشهد النهاية، حيث يضع «ياجو» قدمه على صدر «عطيل»، مطلقا ضحكاته الهستيرية.. قال جورج، معترضا «لم يخلق من يضع قدمه على صدر جورج أبيض».. جذر الخلاف هنا، بين كلاسيكية جورج أبيض، وميلودرامية يوسف وهبى.

«يوسف وهبى: سنوات المجد والدموع»، ليس كتابا عن شخصية عاصفة فحسب، بل عن عصر كامل.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات