الهزيمة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهزيمة

نشر فى : الأربعاء 30 نوفمبر 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 نوفمبر 2011 - 9:30 ص

فى مسرحية «سقوط فرعون» ــ التى كتبها ألفريد فرج منذ النصف قرن ــ موقف يستحق الاسترجاع، يدور بين الرجل الحكيم، المؤمن بالعدالة، المتفهم لقوانين الحياة، وقائد الجيش الذى يتيه فخرا بقوته، الواثق تماما من انتصاراته القادمة، المحتمة.. الرجل الحكيم يقول للقائد ما معناه «أنك لن تنتصر». وحين يبدى القائد دهشة ممتزجة بالاستنكار، يضيف الحكيم «أنت قد هزمت فى معركة القلوب. لم يعد لك مكان فى أفئدة الناس».

 

ما أشبه اليوم بما جاء فى تلك التراجيديا المصرية: المجلس العسكرى، بمهابة لواءاته، ببزاتهم الأنيقة المرصعة بالنياشين، واتساع نفوذهم عقب إمساكهم بمقاليد الأمور، بأدوات القوة بين أياديهم: بنادق، قنابل مسيلة للدموع، مصفحات، وسائل إعلام متعددة، متنوعة.. لكن، مع هذا كله، هُزموا هزيمة ماحقة، صامتة إلى حد بعيد، فى معركة لا تجدى معها هذه الأسلحة، هى معركة القلوب، وهى معركة لا يحسمها البطش أو استخدام العنف، فكل قطرة دم تسيل من جريح، على الأرصفة وفى الشوارع والميادين، تطرد المحبة من القلوب، وكل جثمان شهيد يسطر سطرا فى دفتر النفور الذى يتحول بالضرورة إلى كراهية.

 

المجلس العسكرى قوى، بدا فى لحظة ما طوق نجاة لثوار شرفاء يتعرضون لحمام دم، وبالتالى تمسك به الناس، وغضّوا النظر عن ملابسات الثغرة التى اندفع منها راكبوا الجمال والخيول، وباءت بالفشل الذريع للفرسان الخائبين، ولكنها خلفت دماء وشهداء. تركت الموقعة مذاقا مرا فى الحلوق، لكن الأمل فى «طوق النجاة» ظل نابضا فى القلوب.. ومع الأيام، والوقائع، أخذ الثوار يدركون أن «طوق النجاة» ليس أقرب للوهم وحسب، بل يلتف حول الأعناق، فيقدم للمحاكمة «12.000» شاب، يغرقهم فى متاهات السجون.. وبمهارة، يندفع المجلس فى تطهير القلوب من المحبة الخاطئة: لواء كبير، يصدر أمرا مشينا بالكشف عن عذرية بناتنا. وفعلا، يتم هذا الكشف المهين، الذى لا شك عندى، أن القائمين به، سيدفعون فاتورته، حين تأتى لحظة تصفية الحساب.

 

تلاحقت الأحداث، وفيما يشبه المذبحة، اندفعت مصفحات المجلس العسكرى الصفراء، تدهس المتظاهرين فى ماسبيرو، مخلفة ما يزيد على العشرين شهيدا.. وعبثا، حاولت أجهزة الإعلام، بخفوت حسها الأخلاقى، الزعم أن طرفا ثالثا، مجهول الهوية، قام بهذه الفعلة الشنعاء، لكن الصورة، أصدق أنباء من الكلام.. لاشك عندى أن كل من تواطأ فى هذه المجزرة، سيقاد إلى محاكمة.

 

أدرك الشباب الثائر، ومعه الشعب، أنه لا أمل فى وهم «طوق النجاة»، فخرج مرة ثانية، معتمدا على أجساده، فى محاولة عظيمة للوصول إلى شاطئ الكرامة والحرية والعدالة.. ومرة أخرى، يطلق «المجلس» يد البطش فى أشرف وأنبل من فى هذا الوطن. انطلقت رصاصات الغدر وقنابل الدخان الخسيسة، لكن صمود الشباب أقوى، مما جعل «المجلس العسكرى» يصبح حائرا، ضائعا، لم يدرك بعد أنه.. هُزم فى القلوب.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات