«العاشق».. مضطهدًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«العاشق».. مضطهدًا

نشر فى : الأربعاء 28 نوفمبر 2012 - 11:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 نوفمبر 2012 - 11:30 ص

لم أصدق الأخبار القائلة إن مهرجان القاهرة السينمائى استبعد فيلم «العاشق» للسورى عبداللطيف عبدالحميد من المشاركة فى التسابق.. سببان، عندى، لعدم التصديق، أولهما يرجع لما أعرفه، عن ماريان خورى، المدير الفنى للمهرجان، من نزاهة وجدية وشجاعة، فضلا عن قدراتها التنظيمية، التى تأكدت، المرة تلو المرة، فى «بانوراما الأفلام الأوروبية»، التى تقدمها عاما بعد عام، بنجاح يكاد يحولها إلى مهرجان محترم، ثقافى بامتياز، يبتعد تماما عن بروبجندا المهرجانات الصاخبة.. ماريان، خريجة مدرسة يوسف شاهين، من الصعب الاقتناع أنها صاحبة قرار رفض «العاشق».

 

أما السبب الثانى، وهو الأهم، فإنه يتعلق بالفيلم ومبدعه، كاتبه ومخرجه، عبدالطيف عبدالحميد، صاحب البصمة المرموقة، على خارطة السينما العربية عموما، والسورية على نحو خاص. أفلامه تتجاوز العشرة، تدافع عن نفسها بنفسها، لا يمكن أن تخطئها حتى لو لم يكتب اسم عبداللطيف عليها، ذلك أنه فنان صاحب رؤية، فكريا وفنيا، عناصرها الجوهرية تنساب فى الأعماق، من فيلم لآخر.. فمنذ فيلمه الأول، الرقيق، الجارح «ليالى ابن آوى» 1989، يعبر عن هموم تمس المواطن العربى، داخل وخارج سوريا، فثمة أسرة تعيش على زراعة الطماطم، تكاد تكون معزولة عن العالم، يسيطر عليها الأب الخائب، العصبى المزاج، بأداء خلاب من الموهوب أسعد فضة ــ سيطالعنا فى أفلام تالية ــ هو الآمر الناهى، الفاشل فى ذات الوقت، الذى لا يعرف كيف يبعد الثعالب التى تلتهم وتفسد حقله.. لكن الفيلم أكبر من أن يكون مجرد احتجاج ضد النظام الأبوى، فهزيمة 67 التى تداهم الأسرة، تعطى معنى سياسيا أعمق، فالنظام الذى يهيمن عليه شخص واحد، لابد أن ينتهى بكارثة.

 

تتوالى أفلام عبداللطيف، الكثير من مشاهدها لا يبهت فى الذاكرة.. فى «قمران وزيتونة» 2001. أى طفلان وصبية، يعيشون حياة ضنينة فى قرية منسية بالريف، وبينما الأب مصاب وقعيد إثر إصابته فى الحرب ضد إسرائيل، تمارس الأم قمع أبنائها، الذين يقع عليهم قمعا أشد، من مدير المدرسة الفظ ــ أسعد فضة أيضا ــ وتحت المطر، وعقاب الصبية، عليهم تحية العلم والهتاف بينما الدموع تسيل من مآقيهم.

 

  جهاز «الراديو»، يلعب دورا مهما فى «ليالى ابن آوى» ويشغل حيزا أوسع فى «ما يطلبه المستمعون» 2003، الذى يمس شغاف القلب، خاصة فيما يتعلق بقصة الحب الرقيقة بين شاب وفتاة، فى القرية النائية، ويغدو أمله، الذى تعرفه هى وتتمناه، أن يذكر اسمه واسمها، فى برنامج «ما يطلبه المستمعون»، حيث يهديها أغنية لفيروز.. لكن الشاب يغادر الدنيا شهيدا، إثر غارة إسرائيلية على موقعه العسكرى.. وفى مشهد مهيب، لا ينسى، يعتمد على مفارقة إنسانية مبللة بالشجن، يأتى موكب الشهيد، محمولا على الأعناق، ملفوفا بالعلم، بينما صوت فيروز يتهادى، بالأغنية المهداة للحبيبة.

 

فى سينما عبداللطيف عبدالحميد، ستجد شيئا من النبل، وشيئا من الاحتجاج، وشيئا من الحزن، وشيئا من الأمل، وقبل وبعد هذا كله، ستجد المواطن العربى، أنت وأنا وهو وغيرنا.. سامح الله من منع «العاشق» عنا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات