شعبان حسين - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعبان حسين

نشر فى : الثلاثاء 28 مايو 2013 - 9:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 28 مايو 2013 - 9:20 ص

الإنسان، الفرد، فى مسيرة حياته، مثل الجيش فى تقدمه، يترك حميات قوية، يرتد إليها، بالضرورة حين يتعرض لخطر داهم.. وفى «سواق الأتوبيس» لعاطف الطيب 1983، يجد بطل الفيلم، حسن ــ بأداء نور الشريف ــ نفسه فى مأزق وعر» ورشة الخشب المنتجة، التى أقامها والده، فى طريقها للبيع، الغربان، فى العائلة، أزواج شقيقاته، التجار، ومن لا ضمير لهم، ممن لمستهم قيم الانفتاح المروعة، بجنون الرغبة فى الثراء، حتى لو كان الثمن هو التخلى عن إنقاذ مؤسسة صناعية تعمل بها

 

عشرات الأيدى.. يغدو لزاما على «حسن» أن يبحث عن مخرج من هذه الورطة.. وحين يبحث عن إحدى محطات الصمود، والقوة والأمل فى حياته، تنهض حرب أكتوبر فى ذاكرته. يستعيدها، تحت سفح الهرم، مع بقايا زملاء الأيام الخوالى، «شلة القروانة» التى استشهد منها البعض، ولا يزال البعض يعالج من إصاباته.. وها هم من تبقى من الفرسان، ومن بينهم «رزق»، الذى أدى دوره، بشفافية، شعبان حسين، ساعده فى ذلك طريقة بناء شخصيته، التى رسمها كاتب السيناريو المتفهم، بشير الديك.

 

«رزق»، زميل حسن أيام الحرب، والإنسان الوفى فى الأيام الصعبة. هو زوج إحدى شقيقات حسن.

 

لا نعلم كيف ومتى تزوج. المهم، أنه عائد من الخليج بمبلغ مالى، يطمح إلى دفعه فى شقة، وبلا تردد، يقدم ما اقتصده لحسن، مساهمة فى المبلغ المطلوب لحساب الضرائب، «رزق»، لا يقدم النقود بنفسه، ولكن يجعل زوجته، هى التى تعرضه وتقدمه لشقيقها.. وعلى وجهه، ترتسم معالم الرضاء. راحة نفسية تتجلى فى ابتسامة عذبة، وهو، فى أداء مدهش، يكاد يتوارى، كنسيم عابر، لأنه لا يريد إثبات بطولة.

 

شعبان حسين، برغم أنه لم يقم بأدوار البطولة، لكنه أدرك أن الدور الثانوى، أو حتى الهامشى، شديد الأهمية، حتى وإن جاء متواضعا، فمن يستطيع القول إن الإصبع الصغير فى الكف لا ضرورة له؟.. قد يكون غير ظاهر للعيان، إلا أن غيابه يجعل الجسم ناقصا.

 

أتذكر شعبان حسين، أيام الدراسة فى معهد الفنون المسرحية. لا أراه إلا ضاحكا، مبتهجا، محبوبا من الجميع.. وحين عمل فى المسرح، اتبع طريقة بدت غريبة، ذلك أنه دأب على الذهاب للبروفات من دون النص أو الأوراق المتعلقة بدوره، ويتبين الجميع أن فناننا حفظ المسرحية كلها، وما حضوره إلا لمعرفة طبيعة الأخذ والعطاء بينه وبقية الممثلين.. قدم عشرات الأدوار، فى السينما، والمسلسلات، وربما جاء دور «ثروت» فى «عائلة ونيس»، من أجمل الشخصيات التى قدمها. إنه «الطبل الأجوف»، الثرى المتعاظم، التافه فى ذات الوقت، الجعجاع، والواضح أن طريقة أدائه لهذه الشخصية، ذات الطابع الكاريكاتورى المرح، لمست وترا مستحبا عند المشاهدين، فأصبحت عبارة التفاخر «عندى منها تلاتة»، تتردد على الألسنة.

 

الجميع، فى مسلسل «شيخ العرب همام» وصلوا إلى درجة رفيعة من التمكن، بفضل كتابة عبدالرحيم كمال، وإخراج حسنى صالح.. شعبان حسين، هنا، يجسد شخصية لها وشائج ما مع شخصية «رزق» فى «سواق الأتوبيس»، فبرغم بعد الشقة، زمنيا، بين أحداث الفيلم التى تدور فى الثمانينيات، ووقائع «شيخ العرب همام» التى تندلع أيام المماليك، فإن شعبان حسين، بحضور روحى أثير، يأتى ليس كمجرد نسيم رقيق، ولكن كصخرة يستند عليها «همام»، آخر ملوك الصعيد، بأداء بارع من يحيى الفخرانى.. شعبان حسين، أو «بولس» حسب اسمه فى المسلسل، يتولى، بنزاهة، حسابات «المملكة» ويصوغ قرارات همام. إنه شديد الإخلاص، متماسك، لا يهتز أمام الخطوب، قليل الكلام، لا يفعل إلا ما يراه صحيحا، لذا فإن عيون يحيى الفخرانى تلتمع بالمحبة والتقدير حين يتحدث معه.. أما «بولس» المخلص فإنه يطل واقفا، راسخا، بجانب همام، حتى اللحظات الأخيرة.. رحم الله فناننا الوديع.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات