أيام التحرُّش بالثعابين - محمد المخزنجي - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 8:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام التحرُّش بالثعابين

نشر فى : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص

محمود، عامل عمره 20 سنة، انتشر خبره فى منطقة حدائق القبة فى الأيام الأخيرة، فهو يقترب من أى أنثى تثير خياله المحتقن ليتحرش بها، وما أن تنفر منه حتى يُخرج من حقيبته ثعبانا كبيرا يلقيه عليها، تصرخ من الفزع وتتجمد من الرعب، وفى جُمدتها ورعبها يتقدم المأفون ويمد يده ليغترف من لحمها المذعور خطفة، أو يلتصق بها برهة ثم يهرب مختفيا، ومعه ثعبانه!

 

 هل محمود ثعبان هذا هو الشخص نفسه الذى ظهر فى موقعة جمعة «رد الكرامة» فى المقطم، وكان يستخدم ثعبانا لمهاجمة شباب وكهول الإخوان الذين تنادوا للجهاد هناك؟ ربما. وربما كان محمودا آخر بثعبان آخر، أو محاميد غيره بثعابين مختلفة. وهى حالة يصح أن تكون عنوانا لأبرز وقائع الأيام القليلة الماضية، والتى يجوز أن يُطلق عليها «أيام التحرش بالثعابين». فالتحرش هو فرض أمرٍ ما دون رضا ولا استحقاق، واستخدام الثعابين فيه هو نوع من العنف المقيت لتمريره. ومن ثم كل ما يُراد فرضه من سياسات وتمكينات بلا استحقاق ولا رضا وبالعنف أو التحايل هو نوع من التحرش باستخدام ثعابين ما، وما أكثر ما انهال على مصر والمصريين من هذا التحرش فى الشهور القليلة الأخيرة.

 

 لا أعرف نوع الثعبان الذى كان يستعمله رائد هذا النوع من التحرش فى منطقة حدائق القبة، وأشك أنه كان ثعبانا ساما، وإذا كان كذلك فلابد أنه منزوع الأنياب، وإلا توافرت لدينا معلومات عن لدغات للمُتحرَّش بهن، أو حتى المُتحرِّش. وحتى لو كان ثعبانا غير سام، فهو مروِّع لمن يُباغَتون به. وأيَّاً يكون الثعبان، فإننى أُرجِّح أنه كان يتروع أيضا كما الضحايا، سواء من ضغط صاحبه الموتور عليه، أو من الذبذبات التى يلتقطها الثعبان من انفجارات الصخب حوله، كما أن حرارة تهيج المتحرش المأفون كان يُحتمَل أن توجه لدغة الثعبان نحوه نظرا لاهتداء الثعابين إلى أهدافها بالتقاط الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من كل بقعة حية ساخنة!

 

 تبعا لمجريات رد فعل مواجهة الخطر المعروف بثنائية «أضرب أو اهرب» والمتأتى عن فورة الأدرينالين فى الجسد المُهدَّد، فإن برهة الجمود سرعان ما تنحل، ويكون الهروب هو الاحتمال الأبكر والأقرب، لكن هذا لاينفى صدور الأمر «اضرب» فور استنفاد فعالية الهروب. وهنا أُرجِّح أن المتحرِّش بثعبان حدائق القبة، لابد أن يكون قبل تمكن الشرطة من القبض عليه والتحفظ على ثعبانه، قد تلقى من الجمهور ضربا كثيرا بوحشية معكوسة وبعنفٍ ارتدادى بالغ. وهذا ما أتوقعه مصيرا لكل ما يتشابه مع تلك الحالة من التحرش فى الفترة الأخيرة.

 

 لقد تعرض فريق الإخوان فى المقطم لحالة ترويع بالثعابين نعم، لكن هؤلاء أنفسهم سبق أن شكلوا ترويعا مماثلا لمعارضيهم، فما حدث قبل أسبوع من عدوان أشاوس الإخوان على المتظاهرين العُزَّل شابات وشبانا هو نوع من الترويع بثعابين العدوانية، وقد سبقه ما جرى من سحل وتنكيل وانتزاع اعترافات بالتعذيب وانتحال لسلطة الضبطية القضائية للمتظاهرين عند قصر الاتحادية، ولم نسمع عن واحد ممن اقترفوا هذا التحرش الدموى السام أمرت النيابة بضبطه وإحضاره للتحقيق. وهو الأمر ذاته الذى يتكرر أمام أعيننا الآن فيما قام به بعض الإخوان فى كمين المقطم عند ميدان النافورة وداخل مسجد بلال بن رباح الذى حولوه إلى مركز توقيف وتعذيب لخصومهم. هؤلاء لم يُسألوا عما أجرموا، بينما أصدر النائب «العام» أوامر ضبط وإحضار، فورية، لمن يستحيل أن يكونوا مارسوا العنف أو دعوا إليه بأية صورة، كالدكتور محمد أبوالغار العالِم المحترم ورجل الوطنية المصرية الصادق المتحضر، والكاتبة نوارة نجم التى لا يختلف منصف على نبل تطلعاتها الوطنية وشجاعتها التى تفوق شجاعة كثير من الرجال الذين تربصوا بها ولايزالون. أما ما حدث مع المهندس حمدى الفخرانى ويشكِّل نوعا من الاختطاف الرسمى، فهو عمل انتقامى هابط لا يتسق مع نزاهة العدالة أو استقلال القانون.

 

 ليس محمود حدائق القبة هو وحده المتحرش بالثعابين، بل لعله أبأسهم، فهناك الذين لا يكفون عن تهديد خصومهم بالعنف الذى لم يره الرئيس وهو يلقى بثعابين تهديداته على كل خصومه وخصوم جماعته، فيهدد بقطع أصابع، وإلقاء كثيرين فى السجون، بل يستسهل التخلص من «شوية ناس» برخصة ثورة منحته أكثر مما يستحقه، ولم يمنحها أقل ما تستحقه.

 

 إننى قطعا ضد كل ألوان التحرش بالثعابين المادية والمعنوية، من الإخوان أو مناهضى الإخوان. وفى ذلك أرى أن الهجوم على مقر الإخوان فى المنيل وترويع بنات صغيرات عملا منحطا، كما أرى أن الذهاب إلى مركز مكتب الإرشاد حماقة وإهدار للفعل الثورى كان أولى منه مسيرات تجوب الاحياء الشعبية والقرى والكفور لتفضح زيف الزائفين وطمع المُكوِّشين التماسا للتنوير وتطلعا للتغيير. وإزاء ما أتصور أنه تحرش سياسى سيستمر بثعابين العنف والجور والتلفيق ضد معارضى حكم الإخوان من سياسيين وإعلاميين وأصحاب رأى فى قادم الأيام. فإن تنقية خطاب وفعل المعارضة من أى تلوث ثعبانى صار ضرورة فعالية وضمان استمرار.

 

 لقد لفت نظرى أن ترويع بعض تابعى الإخوان فى جمعة المقطم الأخيرة المريرة بالثعابين قد وصفته قيادة إخوانية تحت سقف مجلس الشورى المُختلِس لحق التشريع بأنه «حرب بيولوجية»! كما وصفه إخوانى آخر من أرض المعركة بأنه شغل سحرة! والمسألة ليست هذه ولا تلك، ولا حتى الزعم بأن من كانوا يواجهون عنف الإخوان بالعنف فى هذه الموقعة بلطجية مأجورون، فمن واقع ضخامة التظاهرة الصاعدة من المناطق الشعبية فى سفح المقطم إلى قمته المحتدمة فى ذلك اليوم، يتضح أن أبناء القاهرة الشعبية قد انضموا إلى ساحة الكارهين لسياسات الإخوان الفاشلة إداريا وتنمويا والشرهة سلطويا، و«أولاد البلد» هؤلاء لا يعرفون لغة اللوع السياسى، مما يستدعى أن يهدئ الرئيس من نبرة تهديده ووعيده وإشهار سبابته وقلب سحنته، وأن يراجع كهنة التنظيم السرى مخططاتهم العتيقة، فالقادمون الجدد إلى معترك السياسة لايعرفون إلا رد الصفعة بصفعات، والثأر ممن خدعهم بالفعل لا بالقول ولا بالهتاف، وهم بحسهم الشعبى اللَّماح لا تخدعهم ادعاءات التقوى ومزاعم تمثيل الإسلام، فهم يريدون أن يعيشوا فى وطن للعدل والكرامة ولا يستغفلهم أحد.

 

ثم، ألا تلاحظوا أن ظهور الثعابين تكاثر فى هذه الأيام: فى أرشيف محكمة، وفى تنويع التحرش، وفى مجابهات السياسة؟! هل هو تجسيد مادى يعكس واقعا معنويا ويُنذر بما هو اكثر شرا وقبحا؟!

 

 

 

ياولىَّ الألطاف نجِّ مصرَ مما تخاف

محمد المخزنجي كاتب مصري كبير ، وطبيب أمراض نفسية ، ولد في المنصورة ، وعمل في مجلة العربي الكويتية ثم تفرغ ككاتب حر ، يُعتبر من أبرز كتاب القصة في العالم العربي ، وله إسهامات متفردة في الكتابة العلمية وأدب الرحلات والمقال الصحفي .