بعد (معركة) الاستفتاء.. ماذا نفعل معا لاستكمال الثورة؟ - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 11:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد (معركة) الاستفتاء.. ماذا نفعل معا لاستكمال الثورة؟

نشر فى : الإثنين 28 مارس 2011 - 9:43 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 مارس 2011 - 9:43 ص

 كشفت المعركة التى اندلعت فجأة بين شركاء الثورة المصرية العظيمة حول التعديلات الدستورية ليس فقط عن عورات وعيوب هيكلية فى الحالة السياسية والدينية المصرية، بل وما هو أهم وأخطر من هذا أنها أحدثت فى قاع هذه الحالة صدوعا وشقوقا تنذر إذا لم تتم معالجتها بسرعة وبحكمة بأن تتحول إلى أخاديد ضخمة بعمق واتساع كبيرين بين القطاعات الرئيسية من القوى السياسية والدينية المصرية.

فأما عن العورات والعيوب، فإن أولها وأبرزها هو تلك الحالة من التربص التى شابت تعامل الفرقاء السياسيين، كل مع الآخر وبخاصة بين من يمكن وضعهم تحت اللافتة العريضة لتيارات الإسلام السياسى والدينى والذين كان موقفهم هو الموافقة على التعديلات وبين من يتجمعون خارجها تحت لافتة أعرض تحمل عنوان القوى المدنية من يسارية وليبرالية وقومية، والذين كانت رؤيتهم هى رفضها، وذلك على الرغم من وجود تداخلات ملحوظة بين المعسكرين من بعض المنتمين إلى كل منهما الذين تبنوا الموقف من التعديلات المحسوب على المعسكر الآخر. وقد كان ممكنا فهم بل وتبرير هذه الحالة من التربص أثناء الجدال حول التعديلات، نظرا للتاريخ الطويل من الخلاف بين المعسكرين ضمن المناخ السيئ الذى أضفاه النظام السابق على الممارسات السياسية فى مصر، إلا أنه لا يمكن اعتبارها أمرا طبيعيا بعد ظهور نتيجة الاستفتاء وانتقال البلاد بعدها إلى مرحلة أخرى من المهام العملية التى تتطلب التعامل الإيجابى معها من جميع الفصائل والأطياف السياسية والدينية فى البلاد. وقد بلغ التربص وسوء التفسير لموقف كل معسكر من جانب الآخر حدودا تجاوزت ليس فقط «الرفاقة» أو «الأخوة» التى جمعت الكل تحت عباءتها فى أثناء الثورة التى كان الجميع فيها مهددين فى وجودهم وحياتهم، بل وأحيانا أصول اللياقة والصدق فى التعامل مع خصوم فى معركة سياسية كانوا بالأمس القريب شركاء فى خندق واحد.

وقد نال كاتب هذه السطور من هذا اللدد فى الخصومة ما تجاوز كل حقيقة تأكدت عنه وأدنى معرفة ولو ضئيلة به وأقل توخى للصدق ممن كان يظن أن قضاءه عقودا ثلاثة من عمره فى التعريف الصادق بهم والبحث الذى يظنه موضوعيا فى أحوالهم والدفاع عن حقوقهم الطبيعية كغيرهم من المواطنين المصريين، كان كفيلا بأن يقيه شر الاتهامات القاسية من بعضهم، معظمهم من حديثى السن والخبرة وبقيتهم من الكهول أبناء جيله، والتى لا يسندها دليل واحد بعدائه لمن اتهمه النظام السابق بأنه ينتمى إليهم بل وبعدائه لدينه الذى ليس لأحد أن يبحث فى صدق إيمانه به سوى الخالق وحده سبحانه وتعالى. وقد تذكر هؤلاء وأولئك فجأة لكاتب هذه السطور فكره القومى اليسارى المستند إلى أرضية الانتماء إلى الحضارة الإسلامية والذى لم يخفه يوما فى كل سنوات النظام الساقط فى أثناء تعريفه بتياراتهم وبحثه فى أحوالها ودفاعه عن حقوق أبنائها كمواطنين مصريين، لكى يسقطوا منه الجزء الأخير ويصفونه بالعلمانى المعادى للإسلام والتيارات الإسلامية كافة. وقد اتسعت رقعة هذا الذى سماه البعض «التكفير الدينى» من جانب و«التكفير الوطنى» من الجانب الآخر إلى الحد الذى طال الجميع تقريبا دون سعى جدى لإيقاف هذا التردى الخطير فى العلاقات بين شركاء الثورة وقبلها الوطن والمستقبل، والعودة إلى القاعدة الأصلية التى يجب أن تحكمها وهى بصياغة أحد المعسكرين أن «يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ويعين بعضنا بعضا فيما اتفقنا فيه»، وبصياغة المعسكر الآخر «بقاء الوحدة مع ممارسة الصراع»، طالما انطلقنا من أننا جميعا أبناء وطن واحد وهدف واحد هو تقدمه وإعادة بنائه لما فيه مصلحة شعبه كله.

وأما العورة الثانية والعيب التالى فهو غياب فضيلة الإنصات إلى ما يقال والتدقيق فيما يكتب، والأخذ دون تردد بما كان يتخيله كل معسكر عن الآخر خلال سنوات الخلاف الطويلة القاسية، لاعتبار أن كل ما ينطق به أحد المنتمين لأيهما فى شرح موقفه أو الدعوة إليه بمثابة هجوم بل وتهجم وهدم متعمد للمعسكر الآخر ودعوة صريحة لإقصائه من ساحة الشراكة المفترض أنها واسعة للجميع. وقد بلغ عمق هذا العيب أنه حتى الرؤى التى حاولت تحليل نتائج الاستفتاء بما تعتقد أنه الأقرب للدقة والواقعية من العوامل، لم يحسن الاستماع إليها أو قراءتها فى ظل هيمنة الصورة المسبقة عند طارحيها ومعسكرهم من جانب بعض من أبناء المعسكر الآخر، فتم على الفور تصنيفها فى نفس خانة الهجوم والتهجم والإقصاء بل ووصل البعض إلى وصفها بالندب والعويل والاستهبال من أحد المعسكرين أو بالاستعلاء والشماتة والاحتقار من جانب المعسكر الآخر. وهنا يظهر العيب الثالث الرئيسى وهو ينصرف بصورة خاصة إلى بعض من الشباب المتحمس القادم حديثا إلى ساحة العمل السياسى والمفتقد إلى بعض من تقاليد الخلاف فيها وحسن إدارته، حيث بدا اندفاعهم فى الدفاع عن رأيهم فى التعديلات ورؤيتهم لمخالفيهم أقرب للذود عن عقيدة مطلقة منه للترويج لرأى يحتمل الصواب والخطأ، وهو الأمر الذى لا يتحملون وزره بمفردهم فى المعسكرين بل يحمل مسئوليته كبارهم من كهول وشيوخ من المفترض أنهم يملكون من الخبرة والوعى ما يؤهلهم للتمييز بين الأمرين ونقل ولو بعض منهما لأولئك الشباب.

وأما عن الأخطر فيما جرى ولايزال من تداعيات الخلاف حول التعديلات الدستورية، فهو تلك الصدوع والشقوق التى يتوجب التعامل معها فورا بحكمة ومسئولية قبل أن تتحول إلى أخاديد ضخمة بعمق واتساع كبيرين بين شركاء الوطن ورفاق وأخوة الثورة. ولعل الحقيقة التى يجب أن يقوم عليها أى حديث أو اقتراح للمعالجة هى التذكير بل والتحذير بأن الثورة لم تنجح بعد ولم تنته مهامها سواء فى هدم كل أركان النظام القديم أو فى بناء نظامها الجديد، وأن أى اعتقاد مخالف لهذه الحقيقة لن يؤدى فى حال الانطلاق منه لتحديد المهام أو المواقف سوى إلى فتح بوابات واسعة لكى تأكل الثورة نفسها مفسحة الطريق ممهدا لعودة النظام الساقط أو صورة منه للهيمنة على أحوال البلاد والعباد، وما هذا بأمر جديد على الثورات التى خيل لبعض أبنائها أنها اكتملت قبل أن يتجسد ذلك فى واقع يعيشه بسطاء الناس فى حياتهم اليومية بكل تفاصيلها الصغيرة. ومن نفس باب التذكير والتحذير فليسترجع الجميع من أبناء مصر سواء فى المعسكرين أو فى المجال الأوسع خارجهما كيف كان ذلك النظام الساقط يحكم ويسوس بلدهم وشئونهم وأنه العدو الحقيقى والوحيد الذى عليهم جميعا مواجهته والحيلولة دون رجوعه فى المرحلة الحالية شديدة الحرج من مسار الثورة.

ولكى تمكن المواجهة الجادة الفعالة مع نظام لا يزال بعض من أركانه البشرية والمادية قائمة وفاعلة فى مناحى المجتمع والدولة وساعية بدأب إلى استعادة مواقعها ومصالحها ونظامها بأكمله من بوابة الانتخابات البرلمانية القادمة وعلى حالة الصراع التى نشبت بين إخوة ورفاق الثورة، ــ فإن خطوات محددة يجب القيام بها من الجميع. أولها أن يقبل الجميع، بغض النظر عن تفسيراتهم أو تبريراتهم لنتيجة الاستفتاء، نتيجته النهائية ويعتبرونها بداية مرحلة جديدة من التوافق والمشاركة بينهم حول خطوات المرحلة التالية. وثانيها أن يتشكل مجلس موسع لأمناء الثورة أو حكمائها أو حراسها، أيا كان الاسم، مهمته الرئيسية هى تبادل الرأى بين مختلف التيارات والفصائل والتشاور المستمر حول ما يستجد من مهام وقضايا عبر ممثلين لهم جميعا فيه، ونقل الرأى المتوافق حوله إلى المنتمين لكل منها أو إدارة الخلاف حول ما لم يتم التوافق عليه بصورة تحفظ للثورة تماسك وتجانس صفوفها الداخلية. وثالثها، أن يشترك الجميع عبر ما يرسمه هذا المجلس من مسارات عامة فى القيام بمهام محددة يكون لتنفيذها آماد زمنية واضحة، مثل ما سبق وقدمناه فى هذه المساحة قبل أسابيع قليلة من تشكيل لجان لكشف ممارسات الاستبداد والفساد بكل أنواعها وتقديم مرتكبيها بأدلة كافية إلى القضاء العادل، أو لجان أخرى أوسع لإعداد تصورات وتشريعات ومقترحات أبناء الثورة لبناء مختلف قطاعات المجتمع والدولة بصورة تختلف جذريا عما أقامها عليه النظام الساقط.

أما المهمة الرابعة والأكثر عجالة منها جميعا فهى التشارك فى الإعداد لتشكيل قائمة موحدة لمرشحى الثورة فى انتخابات مجلس الشعب القادمة وتجهيز ما تستوجبه تلك المعركة الحقيقية والأكثر أهمية فى مسار الثورة للانتصار الحاسم والنهائى فيها على بقايا وأركان النظام السابق الذين يرون فيها الباب الخلفى الذى سيعودون منه خلسة إلى حكم البلاد وقهر أبنائها بأضعاف مما كانوا يفعلون فى أثناء سنواتهم الثلاثين السوداء. إن إهدار الوقت فى خلافات أو مماحكات بين شركاء الثورة فى هذا الوقت الضيق العصيب أو اعوجاج الرؤية لمن هو العدو الحقيقى ومن هو الشريك المختلف، سوف تكون عواقبه وخيمة على الجميع وسيكون مصير الثورة كلها وحكم التاريخ عندها معلق فى رقبة من يرتكب مثل هذه الخطايا القاتلة لإنجاز شعب بأكمله.

ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات