فيصل القاسم.. فن الموالد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فيصل القاسم.. فن الموالد

نشر فى : السبت 27 نوفمبر 2010 - 10:07 ص | آخر تحديث : السبت 27 نوفمبر 2010 - 10:07 ص
قديما، حين كنا أطفالا، صدقنا صراعات الموالد، فإحدى فقرات المسارح الشعبية، تقدم مباراة حامية بين بطل الوجه البحرى، وبطل الوجه القبلى، فتحت الكلوبات التى يتكتل حولها كتل الناموس، تبدو الأجواء ضبابية، وفوق قاعدة خشبية تستند على براميل، يقف رجلان بدينان، مترهلان، متحفزان، كل منهما يلف رسغيه بسوار عريض من الجلد، وينطلق صوت مذيع متحمس، خلال إذاعة بدائية، صارخا بكل عزيمة «بطل البحار، قاهر القراصنة، فلان، سيدخل حالا، مباراة موت، ضد الوحش القادم من جبال الصعيد، علان»، ولا يفوته أن ينادى على من خارج الشادر ليدخل فورا، كى يلحق مشاهدة المجزرة، ووسط صخب المذيع يبدأ النزال.

أحدهما يقول «عا» والآخر يصرخ «ها»، يتماسكان، يتدحرجان، ينهضان، يتبادلان اللكمات والشلاليت، يتخاطفان ساطورا كبيرا، لامعا، اكتشفنا لاحقا أنه من خشب مدهون بالبرونز الفضى. يتطاردان، يعدوان وراء بعضهما إلى خارج الشادر أو يختفيان وراء كواليس من قماش مترب، مهترئ.. صوت المذيع يجلجل: انظروا، هل فعلا هرب فلان من علان؟.. المباراة لم تنته، احجز تذكرتك للحفلة القادمة.. فى الصباح، عندما نتجول فى المولد الخاوى، نفاجأ أن غريمى الأمس يجلسان فى وئام مع بعضهما، يتضاحكان، يأكلان الطعمية والجرجير.

بعد عشرات السنين، انقرض الشكل القديم للموالد، وتغيرت وسائل العرض والاتصالات، لكن فكرة المصارعات المزيفة ظلت على حالها، ربما تجدها فى العشرات من مباريات «أبطال العالم» على الشاشة الصغيرة، وقد تتحول إلى نوع من المنازلات الفكرية فى البرامج التليفزيونية.

ولعل «الاتجاه المعاكس» هو النموذج الأمثل، والأكثر جماهيرية، لهذا النوع، فها هو المذيع المرموق، فيصل القاسم، سليل مذيعى الموالد، يظهر برونق أنيق: بذلة كاملة، رابطة عنق على أحدث طراز، نظارة طبية رقيقة الزجاج، ذات «شنبر» من النوع الثمين، وقبل عرض البرنامج بيومين، يتوالى الإعلان عنه، ومع موسيقى تعبر عن الصدام، وعلى خلفية تظهر فيها السحب، يقف فيصل القاسم، معلنا بصوت شديد الجدية، مفعما بالخطورة «لماذا يعج الفضاء العربى بقنوات الهشك بشك بينما يضيق الخناق على القنوات الدينية.. هل أصبحت فعلا القنوات الدينية منابر لإثارة الفتن؟..».

بذكاء، يختار فيصل أبطاله، شكلا وموضوعا، فهنا يستضيف رجلا وقورا له كرش كبير، يرتدى جلبابا ناصع البياض، فوقه قفطان من الجوخ الغالى، حف شاربه وأطلق لحية بيضاء طويلة ووضع العقال فوق الغطرة.. وفى المقابل، ثمة رجل أصغر سنا وأكثر حداثة، يرتدى بذلة يتجانس لونها مع لون القميص ورابطة العنق. صبغ شعره باللون الأسود الفاحم وضمخه بدهون جعلته لامعا.

. وفورا، يندلع النزال، وكالعادة، يتصاعد التلاسن، الأمر الذى ينعش فيصل القاسم المتظاهر بالتهدئة. أما إذا خفتت حدة المناقشات فإن المذيع المنتبه يحاول تأجيج الخلافات، ولا يفوته أن يقوم بدور رمانة الميزان، يتجه إلى الجانب الضعيف، بشىء من الدعم، كى يظل البرنامج ملتهبا، وغالبا لا تنتصر رؤية على رؤية، فالحسم المؤجل أفضل، وينهى القاسم برنامجه بمصافحة المتصارعين اللذين أراهما، بعين خيالى، بعد أن أخذا مكافأتيهما، حلالا بلالا، يجلسان قبالة بعضهما فى وئام، يأكلان الكفتة بدلا من الطعمية والجرجير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات