البطل.. خائنًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:09 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البطل.. خائنًا

نشر فى : الأربعاء 28 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 28 مارس 2012 - 8:00 ص

أقصد به «كوريولانوس»، بطل وعنوان مسرحية وليم شكسبير «1564 ــ 1616»، الشاعر الذى ينتهى نقاده، جيلا بعد جيل، إلى أن «شكسبير.. معاصرنا». هكذا، منذ بداية القرن السابع عشر حتى الآن وأظن أنه سيستمر فى المستقبل. بصيرة شكسبير جعلته ينفذ إلى جوهر الأمور. يدرك القوانين المؤدية للظواهر. سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. فى أى زمان ومكان. وهذا ما دفع الممثل البريطانى الكبير ــ تذكر «المريض البريطانى» ــ إلى إخراج تلك المسرحية الصعبة، بعد إسناد كتابتها، كفيلم، لجون كوجان، صاحب «المصارع» و«الساموراى الأخير». كوجان، نقل الأحداث، والأبطال، من العصر الرومانى، إلى الحاضر، وإلى مدينة مبهمة وواضحة فى آن. يطلق عليها اسم «روما»، ولكن تشبه، على نحو ما، سراييفو أو صيدا أو الرباط أو القاهرة. المهم، أنه يتأمل، معتمدا على رؤية شكسبير ولغته الفريدة، العلاقة بين الرجل والسلطة، وبين الرجل والسلطة فى جانب والشعب على الجانب الآخر، وبين هؤلاء جميعا والعدو، خارج الحدود، وجماعات الضغط الداخلى، وهذه كلها، من القضايا الشائكة، المتجددة، التى جسدها شكسبير، وانتقل بها من مسرحية لأخرى. يبدأ «كوريولانوس» بلقطة كبيرة لخنجر يلمع نصله فى الظلام، بطلنا يشحذه على حجر، وينتهى الفيلم بذات الخنجر وقد اخترق أحشاء صاحبه. ما بين القوسين تدور تراجيديا ارتفاع نجم المحارب المغوار، بطل الأبطال، قاهر الأعداء، ثم أفوله وانطفاء جذوة الحياة فى عينيه.. عقب اللقطة الافتتاحية، تتدفق مظاهرة حاشدة، تحاول اقتحام الغلال، ومن بين قيادات الجماهير، تبرز فتاة ناشطة، تؤدى دورها ممثلة من أصول مغربية، ذات حضور راسخ، داكنة السمرة، نحيلة، اسمها لبنى زبال!.. تذكرنا فى طلتها ببناتنا الباسلات، فى ميدان التحرير والكرامة. صفوف رجال الأمن، بدروعهم وعصيّهم وخوذاتهم، تواجه المظاهرة وتشتتها بكل عنف. يظهر «كوريولانوس»، القائد العسكرى، بوجه راف فينس المتجهم، القاسى، ليبدى احتقاره لشعب لا يرى فيه سوى مجموعات من كلاب وأرانب وثعالب وفئران، وبلغة شكسبير «جيف موتى لم تدفن»، فعنده، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبالتالى فإن الغلال من حق الجيش لا الشعب. هنا، تكمن نقطة ضعف، أو مقتل ــ إن شئت ــ المحارب الشرس الذى لا يقيم وزنا للنفوس البشرية. وعن طريق التلفاز، تتوالى أخبار محاولة غزو روما، من أعداء بقيادة رجل يناصب كوريولانوس المقت بأداء جيرار بتلر.. وإثر معركة حربية دامية، ينفذها المخرج بحرفية عالية، ينتصر بطلنا الذى ينكل بالأعداء.

 

شكسبير، معاصرنا، لا تفوته الإشارة، بوضوح، إلى فساد القائمين على السلطة والحائمين حولها. هنا، نرى نبلاء روما المتآمرين، أعضاء مجلس الشيوخ، وقد أصبحوا رجال أعمال، لا ضمير لهم، أوغادا، يضعون البطل فى منصب «القنصل»، سيد البلاد، ثم ينقلبون ضده، ولأنه خسر شعبه، فإنه، بوازع من غروره وأنانيته، يلجأ إلى عدوه وعدو بلاده، يتعاون معه لغزو روما، وينتصر فى معركة تلو أخرى، لا يقيم وزنا لرجاء والدته، فينساريدجريف، ويبدو كما لو أنه أصبح كتلة من الخيانة، بل ربما بات موغلا فى الوحشية. لا يرمش له جفن إزاء زوجته الرقيقة وفلذة كبده. رالف فينس، بوجهه الدامى فى معظم مشاهد الفيلم، يؤكد بجلاء أنه لا حياته، ولا حياة البشر، تعنى عنده شيئا ذا بال، وها هو، فى النهاية، يدخل فى معركة موت، مع غريمه، جيرار بتلر، يلقى فيها مصرعه، من دون كلمة رثاء.. شكسبير، الحكيم، ينزع هالات القداسة المزيفة المحيطة بأبطال بلا قلوب.. ورالف فينس، مع جون كوجان، ينبهان إلى إمكانية أن يتحول البطل إلى خائن، حين يحتقر شعبه، كما يلفت نظرنا إلى أننا نعيش فى روما، على نحوٍ ما.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات