تحذير - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحذير

نشر فى : السبت 26 نوفمبر 2011 - 8:50 ص | آخر تحديث : السبت 26 نوفمبر 2011 - 8:50 ص

أخذت الفتاة الفلسطينية تحكى، بحماس وإعجاب، عن العرض المسرحى الذى شاهدته فى باريس، عن المناضلة الألمانية روزا لكسمبرج «1871 ــ 1919»، التى اغتالها الجنرالات، وألقوا بجثتها فى النهر، تمويها لجريمتهم.. لاحقا، قدم بعضهم للمحاكمة، وهزم الآخرون فى الحرب العالمية الثانية، وبينما يكتب التاريخ السياسى أسماءهم، موصومين بالخسة والندالة، تحتفل الكثير من بلاد الدنيا، بذكرى ميلاد ورحيل امرأة، ضئيلة الحجم، ذات وجه رومانسى، انتابها حلم العدالة، وحاولت، بإرادة من فولاذ، أن تحققه.. وقبل أن يغيّبها الموت، تركت مئات من الصفحات المضيئة بنور ونار الثورة ضد الطغاة، والتى إذا توقفت لحظة ــ الثورة ــ ضاعت.

 

كنا نجلس على السلالم الرخامية أمام «مسرح الشعب» فى برلين. مجموعة من العرب والألمان، بيننا الناقد إبراهيم العريس، الذى ترجم أحد كتب روزا، والدكتور عصام حداد، الأب الروحى لـ«أصدقاء الفيلم العربى»، و«كلوديا رمضان» إحدى المسئولات عن المهرجان وآخرون.. وكالعادة، انصبَّ الحديث فى النهاية عن الثورات العربية، وبالذات، الثورة المصرية. وأدهشنى أن يبدو معظم الحاضرين وكأنهم يعيشون فى قلب أحداث القاهرة، والأهم أن وجهات نظرهم تتسم بالشمول ونفاذ البصيرة، فحين تطرّق الحوار إلى أزمة الاقتصاد المصرى، وهروب الاستثمارات، قال أحدهم: أى استثمار. إنه كلام لتخويف الشعب المصرى، لم يأت إلى مصر، فى العقود الماضية سوى النصابين وشذاذ الآفاق. اشتروا مصانع موجودة أصلا، بناها الشعب المصرى، وسرحوا عمالها، وأوقفوا إنتاجها، وحولوها إلى أراض خالية تبنى فوقها عمائر، كما حدث فى مصانع «إيديال» و«شركة الكتان»، ناهيك عن صفقة «عمر أفندى».

 

لفت نظرى شاب ألمانى نحيل، يرتدى معطفا أسود، يلف الكوفية الفلسطينية حول عنقه، قال: الثورة لم تنته أو تنجح بعد، فالطبقة الحاكمة فى مصر، مثل كل الطبقات المستبدة فى العالم، لا يمكن أن تتلاشى أو تخور قواها أثناء زلزال جحافل شباب يناير. فهى ستصمد وسط العاصفة مع الكثير من الخسائر، حتى لو شملت الرئيس وبعض الرموز.. الطبقة الحاكمة ستراوغ، وتعطى وعودا معسولة وتجددها، وتكسب وقتا تنظم خلاله صفوفها جيدا من أجل شن ثورة مضادة، أو على الأقل، تفرغ الثورة من طاقتها.. لم يستجب الشاب لمقاطعة آخر، واستكمل كلامه، بثقة ووضوح، لذا لابد من تلاحق موجات الثورة، حتى تغرق مصدات النظام المترنح.. انتهى الشاب من حديثه، ابتسم لصديقه الذى حاول مقاطعته. قال الصديق: ولكن مصر،، بعد نجاح الثورة، تمر بفترة انتقالية يشرف عليها المجلس العسكرى..

 

 علامات الكدر ظهرت واضحة على وجه صاحب الكوفية الفلسطينية، وفورا ارتفعت حدة انفعاله وهو يقول: هذا مكمن الخطر، فالجنرالات جزء من النظام القديم، استفادوا منه، ومن مصلحتهم إحياؤه ولو بعد حين. لقد وقعت الثورة فى حجرهم، فماذا هم فاعلون.. أرجوك، لا تحدثنى عن وطنية هذا أو ذاك.. لقد كان المارشال بيتان بطلا قوميا، ولكنه أصبح خائنا.. واستكمل كلامه: زوجتى فلسطينية من غزة، تعلم كل منا، من الآخر، ألا نثق فى النظام العسكرى أو الدينى.. عدت إلى الفندق وقد انقبض صدرى، وبدت لى المدينة الواسعة أضيق من ثقب الإبرة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات