يونس بحرى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يونس بحرى

نشر فى : الخميس 26 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 26 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

الحياة، عند البعض، أقرب للعبة الطاولة، فيها من الحظ أكثر مما بها من تفكير.. وعند آخرين، أشبه بالشطرنج، يعتمد المرء فيها على العقل.. ولكنها، عند يونس بحرى، مثل «السلم والثعبان» تماما، ترتفع به، نحو القمة، فى لحظة، لتهبط به إلى القاع فى لحظة تالية.. صورة الرجل، خلال مذكراته الشائقة، التى أعدها وقدم لها خالد العانى، تبدو كما لو أنها لعدة نماذج بشرية، وليست لكائن واحد.. المهن التى عمل بها: الصحافة، الإذاعة، الإفتاء، إدارة المطاعم والملاهى الليلية، جزارة، نزيل سجون.. لكن، خلف كل هذه الوجوه تكمن روح شديدة الصلابة، تتعايش مع أقسى الظروف، وتدرك أن الوقائع والأحداث، كلها مؤقتة، فالغد، دائما، يحمل الجديد، الذى قد لا يخطر على بال.

اسمه أصلا يونس صالح خلف الجبورى «1903 ــ 1979»، من النوع المغامر، طاف بلاد العالم عدة مرات، وفى منتصف الثلاثينيات تقدم باسمه، وبعلم العراق، للدخول فى مسابقة عبور بحر المانش سباحة، وفاز بالمركز الأول، فاختصر اسمه طويلا إلى كلمتين فقط «يونس بحرى».. ومن المانش إلى برلين، فاللقاء مع «جوبلز»، فالصعود على سلالم النازى ليغدو صوتا مناهضا للبريطانيين والحلفاء، ويقدم برنامجه الإذاعى اليومى «هنا برلين، حى العرب». لكن بسبب خلافات مع أمين الحسينى، الأوسع نفوذا، يخفت نجمه فى سماء النازى، ويخرج من ألمانيا، متنقلا من بلد لآخر، ومن زوجة لزوجة، ومن مهنة لأخرى.. لكن الواضح أن بعض عناصر الفكر النازى لت ملازمة له، تتبدى بوضوح فى سطور مذكراته حين يتحدث بكراهية عن الاشتراكيين والشيوعيين، وتشفيه فيما حدث لهم، فى سجون بغداد.

فى بيروت، مع احتدام الخلافات بين النظام المصرى، والنظام العراقى، ممثلا فى نورى السعيد وعبدالإله وفيصل، بتوجهاتهم الاستعمارية وإنشائهم لحلف بغداد المشبوه، كتب يونس بحرى مقالات ضد جمال عبدالناصر، ولحساب نورى السعيد، الذى كان قد أصدر حكما بإعدام بحرى منذ سنوات.. يونس، مغامر: تشوبه انتهازية، يتسم بنفسية مقامر، قد يربح مرة، لكن حتما سيخسر.

بيروت 1958، ساحة صراع بين القوى التقدمية والرجعية، وبينما يونس يعيش حياة هانئة، بفضل دنانير نورى السعيد، بدأ الناصريون يقتربون من عرين بحر. أصبحوا على الأبواب، وبحسه المدرب أدرك أن الخطر يحدث له. لملم أوراقه، وأخذ زوجته، ليلة 13 يوليو، ذاهبا إلى بغداد، الملاذ الآمن، وفى صباح اليوم التالى، صدرت الصحف حاملة معها أخبار الولائم والاستقبالات، التى سيقيمها فلان وفلان، على شرف عودة بحرى، الميمونة.

من المفارقات العجيبة، فى ذات اليوم، تنفجر الثورة، ويزج بـ«فلان وفلان» فى غياهب السجون، هؤلاء الذين كانوا ينوون إقامة حفلات الترحيب للعائد.. أما يونس نفسه، فإنه غادر فندق «ريجنت بالاس»، قبل وصول من يريدون سحله وتمزيقه إربا، لقد هرب بجلده فى الوقت المناسب، لكن ما الذى رآه، ورصده، فى هذا اليوم الجحيمى الدامى، والأيام التالية.. هذا ما يستحق وقفة أخرى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات