بعد الموقعة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد الموقعة

نشر فى : الأربعاء 26 سبتمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 26 سبتمبر 2012 - 8:30 ص

بصرف النظر عن درجة النجاح أو مدى الإخفاق، يحسب ليسرى نصر الله، نزعته المتجددة للتمرد، وهذا ما يمنحه حضورا لافتا، استثنائيا، أيا كانت درجة اعجابك أو انزعاجك من أفلامه. لابد أن تعامله معاملة الجد، فتمرده ليس مجرد ضرب من العشوائية، تسير على غير هدى، ولكن تعتمد على رؤية تختلف، وربما تتناقض، مع ما هو سائد ومألوف، فنيا وفكريا. هنا، فى فيلمه الروائى، بعد الموقعة، يتجه إلى أسلوب السينما التسجيلية، بل يخضع ما هو روائى إلى ما يكاد أن يغدو وثائقيا..

 

صحيح، الفيلم يبدأ بتلك المشاهد العجيبة، لاقتحام ميدان التحرير، بالخيول والجمال، وهى المشاهد التى لن تبهت فى الذاكرة المصرية، ولكن ثمة لقطة لأحد الخيالة، ينقض الثوار عليه ليسقطوه أرضا ويشبعونه ضربا.. «الخيال»، محمود، بأداء باسم سمرة، يترنح جريحا، مذهولا، يائسا، إزاء اللكمات الموجهة لرأسه والركلات المتدافعة نحو بدنه. اللقطة، تندمج تماما مع المشهد الوثائقى، بفضل المونتيرة منى ربيع، وتصبح جزءا لا يتجزأ منه.

 

حقق يسرى نصر الله فيلمه، عقب اندلاع الثورة، وإذا كان من المنطقى، كما فى أعمال أخرى، أن يتجه المخرج إلى تقديم ومتابعة أحد الثوار، فإن يسرى، المختلف والمتمرد، قرر أن يكون بطله هو ذلك «الخيال» التعيس، المهزوم، الذى تضافرت العديد من العوامل التى دفعت به إلى ما هو عليه الآن. وفيما يشبه التحقيق الاستقصائى، بواسطة الناشطة السياسية، ريم، بأداء منة شلبى، يتوغل فى أحراش «نزلة السمان»، ليرصد، بكاميرا سمير بهزان، النشطة، الذكية، ما يدور فيها، ماديا ومعنويا.. سكانها، على باب الله.. رزقهم، يوما بيوم، يتعيشون على ما يجود به السياح الذين تلاشوا مع بداية الثورة.. وها هم، يتنازعون، من أجل علف دوابهم، وتكاد الكاميرا أن تتحول إلى أحد أفراد الخيالة، تتزاحم مع المتزاحمين، وتتقافز للوصول إلى عربة العلف.. لاحقا، لا يفوت الكاميرا أن ترى، على نحو عابر ومؤثر، حصانا ممددا بجوار أسلاك شائكة، وقد فارق الحياة، بالإضافة لهيكل عظمى لحصان آخر.. إنها منطقة موت.

 

عن طريق «ريم»، نتعرف على أسرة «محمود»: إلى جانب ولديه، ثمة زوجته، بأداء بسيط ومتميز من ناهد السباعى، صاحبة الوجه القمحى، المصرى تماما، التى تتحرك وتتكلم وتتصرف وتنفعل بطريقة عفوية، صادقة، تمنح الفيلم مذاقا تسجيليا، تعزره لقاءات مع رجال بلا عمل، ضاقت بهم سبل الحياة، تماما مثل بطلنا العاطل، المتوتر الأعصاب، محمود، الجاهل، الذى تدفعه ظروفه إلى أن يغدو مخلبا لأحد الكبار، المرتبط بالنظام المنهار.

 

 «بعد الموقعة»، فى جوهره، عرض حال لفئة خاسرة من أبناء الشعب المصرى، تداخلت عوامل عدة لوضعها داخل مصيدة محكمة الإغلاق، يعبر عنها الفيلم بذلك السياج من الأسلاك الشائكة التى تحيط بمساكنهم، بالإضافة لتلك الجدران التى تكاد تفصلهم عن العالم الرحب.. ربما جاءت قصة الحب الفجائية بين «ريم» و«محمود»، بلا معنى أو ضرورة أو هدف، كذلك العلاقة المرتبكة بين «ريم» وزوجها، الأقرب للزائدة الدودية، وقد تجد شيئا من الأداء النمطى عند منة شلبى، ومبالغة فى عصبية باسم سمرة، لكن يبقى «بعد الموقعة» كتجربة شجاعة، تستحق الترحيب.

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات