دموع التماسيح - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دموع التماسيح

نشر فى : السبت 26 مارس 2016 - 12:05 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2016 - 12:05 م

ترجع أهمية «عين فى السماء» إلى كونه نموذجا من الأفلام المضللة، المتورمة بعواطف كاذبة، ينتهى بإثارة التعاطف مع القتلة، مجرمى الحرب، الأشاوسى، ذوى الأخلاقيات الرفيعة، والضمائر اليقظة، الذين تطبق الأحزان على قلوبهم، من أجل ضحاياهم.

أحداث الفيلم البريطانى تدور فى كينيا، تستغرق الساعتين، هما زمن العرض.. إلى جانب الالتزام بوحدة الزمان، يلتزم كاتب السيناريو جاى هيبرت، بوحدة المكان، المكون من ثلاث غرف عمليات حربية، بالإضافة لجانب من أحد أزقة نيروبى.

مع المشاهد الأولى، يتردد اسم «حركة الشباب الصومالية»، المرتبطة بالقاعدة، ذات التاريخ الدموى الكريه.. كاثرين بويل ــ بأداء هيلين ميرين ــ عقيد بالجيش البريطانى، مسئولة عن إحدى وحدات الطائرات بدون طيار، تكلف بالقضاء على مجموعة إرهابية تستعد للقيام بعملية تفجير كبيرة.. تتابع، من غرفة العمليات، ما يجرى داخل موقع الإرهابيين، بواسطة كاميرات بالغة الدقة، متناهية الصغر، معلقة فى عيون دمية طائرة، على شكل عصفور.

الصراع فى «عين فى السماء» لا يندلع بين البريطانيين من ناحية، والإرهابيين من ناحية ثانية، لكن، يتأجج داخل نفوس العسكريين، سواء فى إنجلترا أو أمريكا، حيث يتابع بعض مسئوليها، ما يدور فى كينيا ولندن، من خلال شاشة كبيرة، فى غرفة عمليات عسكرية.

ترصد كاميرا التجسس ما يدور داخل وكر الإرهابيين: أحد الرجال، يعبىء سترة آخر، بأصابع ديناميت، بينما، خارج البناية، حركة مريبة لمسلحين، مدججين بالسلاح، يحملون الأعلام السوداء، يرتدون الجلابيب، ذوى لحى علاها التراب.. العقيد كاثرين بويل، تجد لزاما عليها، الإسراع بإطلاق صاروخ لتدمير ذلك الموقع، بمن فيه.. لكن المسألة ليست سهلة، ذلك أن عنصرا جديدا، إنسانيا، داخل المجال، أدى إلى تحويل الصراع الخارجى، بين العسكريين والإرهابيين، إلى صراع داخلى، يعتمل فى ضمير العقيد كاثرين وقياداتها، بالإضافة لوجدان من يعملوا تحت إمرتها: فتاة صغيرة، رقيقة، سمراء طبعا، اسمها فى الفيلم «عليا»، بأداء عفوى موهوب من الممثلة الناشئة «عائشة تاكاو» صاحبة الابتسامة الساحرة.. هى تبيع الخبز الذى تضعه على منضدة بالقرب من سوربيت التكفيريين، مما سيصيبها حتما إذا تم تفجير المكان.. تنتاب الجميع حالة تردد هاملتية «نطلق الصاروخ أو لا نطلقه، تلك هى المشكلة».

المخرج، الجنوب أفريقى، جافين هود، ينتقل، بطريقة مكوكية، بين الغرف الحربية، متابعا، ارتباك المسئولين، تجاه طلب العقيد كاثرين، بإصدار أوامر واضحة بإطلاق الصارخ أو إلغاء العملية، إنقاذا لـ«عليا» البريئة.

هنا، لن تجد أى مناقشة أو إشارة، للدور الأمريكى، البريطانى، فى إنشاء ودعم «القاعدة»، أو قتل آلاف المدنيين فى العشرات من المدن التى تعرضت للقصف.. على العكس من هذا وذاك، يتجه الفيلم، بإصرار، نحو «تبييض» وجه العسكريين، خاصة جنرالات أمريكا، الذين يرفضون إطلاق الصاروخ، خشية إصابة «عليا».. وبينما يتملص القادة البريطانيون من إصدار أية أوامر، تحاول العقيد كاثرين إبعاد الطفلة عن منطقة التدمير المتوقعة، وذلك بدفع أحدالمتعاونين معها إلى شراء كل الأرغفة.. وما أن يفعل إلا وتقوم «عليا» بإحضار المزيد من الخبز.

تستمر المهاترات بين المتابعين فى الغرف الثلاث، لفترة بالغة الطول، تكاد تجعل الفيلم «محلك سر» إلى أن ينتهى حشو سترة الانتحارى بأصابع الديناميت.. وحين يخرج من مكمنه، تصدر الأوامر بإطلاق الصاروخ.. فى ذات الوقت الذى تنتهى فيه «عليا» من بيع آخر رغيف.. يسقط الصاروخ فوق الهدف، يحيله إلى ركام ورماد، ثم يلحق به صاروخ ثان.. الطفلة تصاب بحروق فادحة، والدها يحملها إلى المستشفى حيث تلفظ أنفاسها الأخيرة.

«عين فى السماء» ينتهى بختام شديد الافتعال، فبينما يبدو التأثر واضحا على ملامح وجه العقيد كاثرين، ترتسم الأحزان على وجوه بعض معاونيها، أما البعض الآخر، فإن الدموع الرقراقة تلتمع فى عيونهم، لتتساقط على وجناتهم.. فهل تصدق كل هذا؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات