كوميديا.. وتراجيديا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كوميديا.. وتراجيديا

نشر فى : الأربعاء 25 أبريل 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 أبريل 2012 - 8:00 ص

قالت المذيعة، فى الاستوديو، لمراسل القناة الواقف وسط مجموعة من المتظاهرين فى ميدان التحرير: صف لنا الأجواء.. ماذا يجرى عندك بالضبط؟

 

المراسل، شاب حديث السن، مرتبك وذكى، لم يسمعها ولكنه خمّن سؤالها، فانطلق، بصوت متوتر، بسبب الزحام والهتافات المتداخلة حوله، فى وصف غضب المؤازرين للمستبعد من ترشيحات رئاسة الجمهورية، حازم صلاح أبوإسماعيل، الذى ملأ الدنيا خبطا ورزعا وتهديدا ووعيدا، بعد أن ملأها بصورته، مبتسما، على الجدران وزجاج السيارات. وراء المراسل، تزدحم الصورة برجال أشداء، بعضهم يرتدى الجلابيب البيضاء، والبعض الآخر بناطيل وفانلات تبرز عضلات مفتولة.. يتطاير الشرر من عيونهم جميعا، يذكروننا بمجاميع المتشاجرين فى الأفلام المصرية، يتهيأون للدخول فى معركة حامية، حالا.. ذكر المراسل أن من بين المتواجدين، الأستاذ خالد يوسف، زاد اهتمام المذيعة، وخرجتُ أنا من حالة المتابع الخمول مندهشا، وربما مستنكرا، من ذلك التحول الدرامى الذى لا يباغتنا إلا فى سينمانا، والمتمثل فى مغادرة مخرجنا الوطنى، خالد يوسف، من قلب الثورة والثوار، لينضم إلى إنكشارية المستبعد.. بحماس، طلبت المذيعة من مراسلها إتاحة فرصة الكلام للأستاذ خالد يوسف.

 

حدقت فى الشاشة الصغيرة، فركت عينى لأتبين المشهد وأتفهمه. رجل ضخم الجثة. تكاد ملامحه تختفى تحت شعر طويل، مفلفل، موصول بلحية ضخمة، تخفى الرقبة وتمتد إلى أعلى فتكاد تغطى الشفة السفلى، بالإضافة لشارب محفوف، لا هو محلوق ولا متروك. لكن الذى سرق الكاميرا بامتياز، ذلك الرجل الواقف إلى يمين المتحدث، صاحب لحية عجيبة، نصفها الأيمن داكن السواد، شديد الغزارة، ونصفها الأيسر رمادى، أقرب للون الأبيض، خفيف الشعر.. الأستاذ خالد يوسف اندفع فى مهاجمة اللجنة العليا للانتخابات، التى رفضت أوراق الرجل الطيب، البركة، الذى يسيل لعابه على كرسى الرئاسة. ومع مقاطعات المراسل، تكتشف أن المتحدث ليس خالد يوسف، المخرج.. ولكن خالد يوسف آخر، من قيادات حملة حازم صلاح أبوإسماعيل.

 

بعيدا عن كوميديا الأسماء، يلمس المتابع لمزاج الشعب المصرى، ذلك الإحساس التراجيدى العام بالندم، فما إن تتحدث مع من تلتقيه على نحو عابر، حتى تدرك أنه، كأى مخدوع، يكاد يدين نفسه، يشعر أنه تم استدراجه، بإرادته، إلى منزلق وعر.. يحاول تفسير الموقف الشائك بقوله: كنت أظن أنهم لنا، بدا كل منهم ورعا، يخاف الله، سيتبنى مطالبنا ويلبى احتياجاتنا، وبالتالى انتخبتهم. ولكن ما إن جلسوا على مقاعد مجلس الشعب، حتى نسوا أو تناسوا ما وعدوا به، فبدلا من الحديث عن مرتباتنا الهزيلة، وارتفاع ثمن الدواء، والبطالة التى تتفشى بين أولادنا، وغياب المشروعات الجادة، يتشدق من انتخبناهم بكلام فارغ عن ضرورة منع البكينى على شواطئنا، ومنع تداول وبيع وشراء الخمور.. ولا يفوت النادم أن يؤكد عدم ذهابه، وأسرته، إلى المصايف أصلا، فضلا عن كونه، مثل غيره، لا يحب رائحة السبرتو ومشتقاته.. وينتهى المشتكى، غالبا، بآهة، يزفر فيها شيئا من كمده قبل أن يقول: إنه ذنبى، أنا الذى انتخب.

 

فى مليونية الجمعة الماضية، وفى نوبة ندم داهمت سيدة، أخذت تكيل الشتائم أمام إحدى خيمات أنصار الدولة الدينية، دفعها البعض بعيدا. اشتبكت معهم، تدخل شباب الثورة لحمايتها، وكادت الأمور تتحول إلى تراجيديا كاملة.. لولا ستر الله.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات