جى. إدجار - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جى. إدجار

نشر فى : السبت 24 مارس 2012 - 9:45 ص | آخر تحديث : السبت 24 مارس 2012 - 9:45 ص

جودى دينشى، الممثلة البريطانية الكبيرة، فنا وسنا ــ رشحت ونالت عشرات الجوائز وولدت عام 1934 ــ تظهر فى هذا الفيلم مرات قليلة، لكن حضورها أقوى وأعمق من الجميع، بما فى ذلك صاحب البطولة التى تكاد تكون مطلقة، ليوناردو دى كابريو، فهى، بعينيها الواسعتين ولفتاتها، وحركة رأسها وذراعيها، وتجاعيد وجهها ورقبتها، تعطى للمواقف معانيها، وتلقى ضوءا ساطعا على شريكها فى المشهد، وهو غالبا ابنها، الرجل الخطير، واسع النفوذ، جى. إدجار هوفر «1895 ــ 1972» رئيس مكتب التحقيقات الأمريكى، طوال «36 عاما» عاصر 9 رؤساء، وتباينت الآراء فيه إلى حد التناقض، فالبعض يرى أنه كان درعا صلبا ضد أعداء الولايات المتحدة، ونهض بمؤسسة الـ«F.B.I» على أحدث طراز، ومن الناحية الشخصية، وجد من يصفه بالنزاهة، وطهارة اليد والأخلاق.. لكن على الجانب الآخر، وصفت مؤسسته أنها من مخالب النظام القذرة، وقفت ضد حقوق المواطنين، ولفقت الاتهامات والإدانات ضد الشرفاء. أما من الناحية الشخصية، فقيل إنه مهووس بالسلطة، لم يتزوج لأنه على علاقة شاذة بنائبه الأثير، كلايد تولسون، بأداء إيرنى هامر، الأنيق، المفعم بالنشاط أيام شبابه الدميم، الكسول، بعد أن هده المرض.

 

جودى دينشى، تتكفل، على نحو إيحائى، بكشف جوانب ابنها الخفية. تحنو وتهيمن عليه، تؤنبه فيتلعثم فى الكلام، كما الطفل الصغير. هل هو «أوديبى» النزعة؟ ربما.. ولعل المشهد الأهم، وهى جالسة فى المقعد الأمامى فى سيارة يجلس ابنها مع نائبه على المقعد الخلفى، يمد أصابعه لتتشابك مع أصابع جاره. وبنصف التفاتة من دينشى تشعرنا أنها تدرك ما يجرى، تبتسم ابتسامة تعيسة ميتة، ويمتزج فى عينيها ثلاثة انفعالات فى آن: الأسى، الشفقة، الألم.. إنه من أقوى مشاهد الفيلم، فالمخرج، كلينت إيستوود، يديره على نحو مرهف، يبتعد فيه عن المباشرة الغليظة، معتمدا على الأداء المتفهم، البارع، لدينشى. وربما كان هذا المشهد «الكاشف» سببا فى إثارة غضب بعض النقاد الأمريكيين، حتى أن أحدهم هاجم كاتب السيناريو، دستن لانس بلاك، وزعم أن ميوله «المثلية» أسقطها على جى.إدجار هوفر.

 

أما عن دور هوفر، فى السياسة والقانون والمؤسسة، فإن الفيلم ينحاز له، فمنذ البداية، تتوالى الحكاية، برواية صاحبها، حيث يملى مذكراته على سكرتيره الجديد. يعرف الشيوعية بأنها ليست مبادئ وأفكارا ولكنها مرض، ومع المشاهد الأولى، يباغتنا انفجار فى فيللا النائب العام «بالمر»، صاحب الغازات الشهيرة ضد اليساريين، التى لن نراها أبدا، ولكن يطالعنا ذعر «بالمر» على أطفاله. يأتى الموظف الشاب، هوفر، للمكان، يبدأ فى تجميع الأدلة، بطريقة علمية، ويخطو خطواته الأولى، الواسعة، لإقامة المؤسسة التى تحتفظ ببصمات الملايين، وتنشئ الملفات، وتستحدث طرق تجميع الأدلة الجنائية. ويكاد الفيلم يقع فى دائرة الإملال، كما يبدو دى كابريو الذى يقال إنه تحرر من كاريزمته، كما لو أنه وقع فى التأثر الشديد بجاك نيكلسون، خاصة فى نظرته الجانبية، والاقتصاد فى التعبيرات المباشرة.. لكن الأهم، بل الأخطر، أن الفيلم يضع النشطاء السياسيين، والعصابات المنظمة، والمجرمين، فى سلة واحدة، يطاردها الرجل العنيد، جى.إدجار، ومؤسسته، التى وإن كان ينتقدها، فى بعض ممارستها، إلا أنه يتحاشى، بإصرار، إدانتها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات