الوهم والحقيقة فى جزيرة سكورسيزى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 11:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوهم والحقيقة فى جزيرة سكورسيزى

نشر فى : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:46 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 مارس 2010 - 9:46 ص

 فى مشهد غير مسبوق، على شاشات السينما، نتابع المذبحة التى قام بها جنود أمريكا ضد جنود ألمان مستسلمين، فى معتقل «داشاو». بطل الفيلم «تيدى»، بأداء رونالدو دى كابريو، مع بعض زملائه، يطلقون رصاصهم، بوحشية، على طابور الألمان فتتساقط الجثث الدامية عقب توسلات وصرخات ألم ورعب. وجه دى كابريو الجميل ينضح بمزيج فريد، دقيق، بالكراهية والنشوة. لقد انتهت الحرب وهزمت ألمانيا، لكن حفلة القتل لا تزال مستمرة.

هنا، يدين سكورسيزى ممارسات الجيش الأمريكى، ويواصل رحلته مع بطله «تيدى» حيث تدور الأحداث بعد تسعة أعوام من نهاية الحرب العالمية الثانية.

يستدرجنا سكورسيزى إلى «جزيرة شاتر آيلاند»، أو «الجزيرة المحطمة» حسب الترجمة العربية، وهى جزيرة غامضة، لا تشرق عليها الشمس أبدا، اللون الرمادى يغلفها، الأمطار تنهمر فوقها، والعواصف الغادرة تهب عليها. «تيدى» الذى أصبح مسئولا كبيرا فى الشرطة الفيدرالية، يذهب إلى الجزيرة مع مساعده تشاك ــ مارك روفايللو ــ للتحقيق فى اختفاء مريضة. ومنذ البداية، يندلع صراع مستتر بين الفيدراليين من ناحية وقيادة الجزيرة من ناحية، فالدكتور كولى ــ بن كينجسلى ــ بزيه العسكرى، لا يقدم سوى معلومات شحيحة لـ«تيدى» ومساعده، مما يدفع «تيدى» إلى البحث عن الحقيقة بنفسه. وعلى طريقة أفلام الرعب ينتقل من دهاليز إلى زنازين مهجورة، ومن مناطق صخرية إلى مغارة تنطلق منها آلاف الفئران الشديدة السواد، بداخلها يلتقى بالمريضة التى يبحث عنها. تخطره أنها طبيبة فى هذه المصحة، اعترضت على أسلوب العلاج المعتمد على جراحة فى المخ، تفصل بين فصيه، ويبتر منه الجزء الذى يدفع للعنف، وأنها تحولت، حسب ادعاء قيادة المشفى، إلى مريضة، وتشير له نحو المنارة التى تجرى فيها العمليات الجراحية.

طوال الفيلم، تنتاب «تيدى» الكوابيس والهواجس والمشاهد التخيلية، وكلها ذات طابع دموى، تدور حول أطفاله الثلاثة القتلى، وزوجته المحترقة، وعن طريق مونتاج محكم، تبرق هذه المشاهد، وتباغتنا، للحظة، ثم تختفى.. وهذه المشاهد، مع غيرها من المواقف، لابد أن يستعيدها المتفرج، ويفكر فيها، عندما يحدث سكورسيزى انقلابا دراميا فى فيلمه.. «تيدى»، يخطف بندقية من حارس، يقتحم المنارة، يصل إلى حجرة الدكتور «كولى»، يطلق عليه الرصاص، يكتشف ونكتشف معه أن البندقية خالية من الرصاص، ولكن محاولة القتل تبين بجلاء خطورة «تيدى»، شأنه فى هذا شأن بقية نزلاء المصحة، وبعبارات قليلة، دقيقة وحاسمة، يشرح «كولى» لـ« تيدى» ولنا، حالة الهزيان التى يعيشها والتى صورت له أنه مفتش فيدرالى يحقق فى اختفاء مريضة، بينما هو المريض، وما مساعده إلا الطبيب المعالج له.. هنا، بإزاء هذا الفيلم الذى لا يخلو من إبهام، لابد أن يتساءل المتابع: هل يتلمس سكورسيزى العقل الأمريكى المرتبك الآن، أم أنه يسير غور نفسيات جنود قتلة، يعودون مرضى من ميادين القتال؟ ربما قصد هذا وذاك.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات