متواليات : إبادةٌ - يوسف زيدان - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متواليات : إبادةٌ

نشر فى : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 12:59 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 12:59 م

 ما كادت نفوسُ الناس فى بلادنا تهدأ بعد صور الدمار وتقارير الخراب، الذى أوقعته إسرائيل بجنوب لبنان قبل قرابة عامين، حتى صدمتهم حوادث غزة الأخيرة الغزيرة بمشاهد تمزيق الأطفال، وكانت تلوح بين النشرات التليفزيونية مشاهد جند اليهود المدججين بالسلاح، وهم يتقدمون كل يومٍ شبراً فوق جثث أهل القطاع..

وهى كما رأيناها جميعا بعيونٍ يعتصرها الألم، لم تكن جثثا لمقاتلى (حماس) بقدر ما كانت عجائن بشرية لعجائز وشيوخ وأطفال.

كان الجندى اليهودى هادئا، وهو يطلق القنابل والطلقات، وكان سياسيو إسرائيل يطلُّون على الناس من شاشات الفضائيات الدولية، مؤكدين أن بلادهم ترد على صواريخ حماس، بعملية عسكرية اضطرارية تهدف إلى اقتلاع الإرهاب من ديار الفلسطينيين، وأنهم يتألمون من سقوط الضحايا المدنيين، فى الجانبين!

هل اختلف الحال فى غزة عن سابقه فى جنوب لبنان.. ألم يقتل اليهود من الكنعانيين (الفلسطينيين) فى المرتين؟، ما يحافظ على النسبة الذهبية للضحايا: واحد من اليهود يقابله مائة من أعداء الرب..

ومَنْ أعداءُ الرب، أليسوا هم هؤلاء الذين يسكنون أرضا وهبها (الله) أو (إيل) لذرية إبراهيم التوراتى، حين قال له: لنسلك أُعطى هذه الأرض، من النهر إلى النهر؟ وما الحرب على غزة، أليست هى حلقة أخرى من حلقات السلسلة الممتدة من دير ياسين حتى كفر قاسم وصابرا وشاتيلا وقانا وبيروت وجنوب لبنان؟..

ألا يجمع بين هذه، كلها، نمطٌ واحدٌ، هو عموم القتل لاقتلاع الناس وإخلاء الأرض.. أو بعبارة أخرى: الإبادة.

للإبادة مفردات أخرى تعبِّر عنها، منها كلمة (الهولوكست) ومنها كلمة أرق فى لفظها (التطهير) وكلها فيما أرى، تدل على معنى واحد هو إخلاء الأرض الموعودة، حتى يتحقق الوعد الإلهى..

ولهذا الوعد لفظة أخرى تعبِّر عنه، وتاريخ قديم يرتبط به، أما اللفظة الأخرى فهى (العهد)، وأما التاريخ فمذكور عندهم فيما يسمى (العهد القديم)، الذى سماه المسيحيون بالقديم، تمييزا له عن الأناجيل وأعمال الرسل، التى هى (العهد الجديد) وكلا العهدين يرتبط بالآخر، فى كتاب واحد هو: الكتاب المقدس.

ينقسم العهد (القديم) من الكتاب المقدس، إلى قسمين: التوراة، أسفار الأنبياء، وتنقسم التوراة إلى خمسة أسفار: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية..

وفى سفر التثنية، فى الآيات الأخيرة منه، يأتى خبر وفاة النبى موسى ( التوراتى) بعد أهوال وعظائم يرتكبها، وبعد أن ولَّى على اليهود تلميذه (يشوع بن نون)، الذى ذكرته الآيات التوراتية: وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكلَّ عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى..

ويشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة، إذ وضع موسى عليه يديه، فسمع له بنو إسرائيل، وعملوا كما أوصى الربُّ موسى. انتهت الآيات.

ثم كانت أولى المحاولات اليهودية لتحقيق وعد (عهد) الرب، على يد يشوع بن نون، الذى دخل أرض فلسطين، فأباد حسبما جاء فى (الكتاب المقدس) قرابة ثلاثين مملكة فلسطينية كانت تعيش بطريق الخطأ فوق الأرض الموعودة، تماما مثلما يعيش الفلسطينيون اليوم على الأرض ذاتها، بالخطأ ذاته الذى يعوق تحقيق الوعد المقدس..

ولا يوجد فى تاريخ الإنسانية كلها، كتابٌ واحد يتغنَّى بالإبادة (الهولوكست) ويفتخر بفعل (التطهير) إلا سفر يشوع، الذى هو أحد الأسفار المقدسة.

إذن، ما رأيناه على الشاشات هو واجبٌ مقدسٌ يقوم به الجندىُّ اليهودىُّ، استجابة لنداءٍ قديم (إلهى) يدعوه إلى إخلاء الأرض ممن سكنوها بطريق الخطأ، وما كان لهم أن يسكنوها. ولذلك ترى اليهود هادئين وهم يقتلعون هؤلاء من موضعهم غير المناسب..

وعلى الضفة الأخرى، تسعى حماس باسم الجهاد فى سبيل الله، إلى ما سعت إليه قبلها منظمة التحرير الفلسطينية عبر (الهدف)، الذى اضطرت السُّلطة لإسقاطه من دستورها: تدمير إسرائيل !

هذا وذاك، فعلٌ مقدس. وهؤلاء وأولئك، يستندون إلى مرجع دينى (مقدس) يسوِّغ لكل طرف القضاء على الآخر.. وما دامت النصوص المقدَّسة، مقدَّسة، فسوف يظل الحال على ذات المنوال.

يوسف زيدان كاتب وروائي مصري
التعليقات