متواليات : شروع - يوسف زيدان - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 6:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متواليات : شروع

نشر فى : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 12:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 12:55 م

 للبدء عندى شأن عظيم، وشعور جارف يغمرنى كلما شرعت فى أمر جديد، كهذا الذى أبدأه الآن مع هذه المقالات (المتواليات) اللواتى سنلتقى معها، هنا كل أسبوع..

وللشروع فى أمر من الأمور أصول وقواعد، أهمها تبيان أهمية ما نحن بصدد الدخول إليه، وبيان حدوده العامة وملامحه المميزة، وإيضاح مساره من قبل الخوض فيه، ثم الإشارة إلى مراميه البعيدة المبتغاة، ولذلك فسوف نتوقف فى هذه المقالة الأولى من تلك (المتواليات)، التى لا أعرف متى ستنتهى، عند هذا التبيان وذاك البيان وتلك الإشارة عملا بالحديث: إذا شرعت فى أمر فتدبر خاتمته!

وأملا فى تصحيح النهايات بضبط البدايات، حسبما أشار إلى ذلك أهل التصوف، حين قالوا: لا تصح النهاية إلا بصحة البداية.

سوف تدور رحى هذه المقالات، فى الأسابيع المقبلة، حول محور وحيد هو النظر فى الوقائع الجارية والحوادث المعاصرة والشواهد المماثلة أمام عيوننا اليوم، من زاوية ما كان مرتبطا بها فى الأمس القريب والماضى البعيد انطلاقا من أننا لن نفهم ما نراه، إلا بالتبصر فى فحواه والنظر فى جذوره وتطوره..

والمثال الدال على ذلك، ما شاهدناه فى الأسابيع الماضية على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، من فظائع وويلات جرت فى قطاع غزة، مع الاجتياح اليهودى، الذى انطبخت فيه المنازل مع لحم سكانها، وطلت خلاله عيون الأطفال مرعوبة، بينما أقدام جنود إسرائيل تطأ الأرض والناس بخطى ثابتة وقلب مطمئن وأصابع لا تعرف الارتجاف، وهى تضغط الزناد، لماذا لا يتأثر القتلة بعذابات المقتولين..

ولماذا يعربد العنف دوما فى أرض فلسطين منذ ألوف السنين.. ولماذا سيستمر الحال على هذا المنوال فى مقبل الأيام؟..

هذا ما سوف نغوص وراءه فى مقال الأسبوع المقبل، الذى سيكون بعنوان (إبادة) حيث نستعرض جذور الأمور المؤدية، التى تلك الوقائع التى روعتنا مؤخرا، مثلما أفزعتنا قبلها وقائع مماثلة جرت خلال الخمسين عاما الأخيرة، وسوف تجرى بالقطع فى الخمسين سنة المقبلة.

وسوف ينتقل بنا مسار هذه المقالات، دوما، من الحاضر إلى الماضى، ومن الماضى إلى المستقبل، من دون الالتهاء بالواقع الحاضر والانشغال المؤقت به! وما ذاك بمستغرب عندى، ولا عجيب، إذ أعتقد وأومن بأن الزمان الإنسانى فى حقيقة أمره له بعدان فقط هما الماضى والمستقبل، أما البعد الثالث المسمى (الحاضر) فهى محض افتراض وتوهم، فلا يوجد أصلا (حاضر) فى أى أمر، وليس هناك ما يمكن أن نسميه (الآن) فنحن لا نكاد نلفظ هذه الكلمة، حتى نمر من بوابة العبور الدائم من الماضى إلى المستقبل، وما حياتنا إلا هذه الديمومة، وهذا العبور الدائم.

ولذلك، فإن كل ما نراه (الآن) هو امتداد لأمر وقع فى الزمن السابق، وسوف يوجد فى الزمن التالى ولو على هيئة ذكرى..

والمثال على ذلك، ما سوف يأتى فى مقالنا بعد القادم، الذى سيأتينا بعنوان (قعود)، حيث نتعرض إلى الفشل المتوالى الذى يواجه محاولتنا المريرة للنهضة، ويبقينا دوما ما بين النهوض والقعود، فلا نحن نيأس من المحاولة، ولا نحن نصل إلى ما نريد.

وهذا عجيب من العجائب العديدة، التى تلفنا وتعصف بنا، لأننا ننظر دوما فى ذاك البُعد الوهمى المسمى (الحاضر) من دون إمعان النظر فى البعدين الحقيقيين: الماضى والمستقبل.

وعلى المنوال ذاته، ستكون هذه المقالات المتواليات تطويرا لما ظللت أكتبه لسنوات تحت عنوان (كلمات)، حيث كنت شغوفا بالبحث فى أصول تلك المسميات، وهذه المفردات التى نلوكها من دون إدراك لحقولها الدلالية، التى تراكمت وتراكبت، وتناقضت أحيانا، عبر مئات السنين..

لكنى لن ألتفت فى (المتواليات) عند الكلمات المجردة، ولن أنصرف إلى التحليلات اللغوية، التى قد تقنع فقط بمعرفة جذور المعانى وتطور الدلالات. وإنما سأحرص على البحث فى المجريات من الأمور، والواقعى من الأحداث التى تدل عليها المفردات، التى ستكون عنوانا فرعيا لهذه المتواليات الأسبوعية.

وبالطبع، فسوف أجتهد فى صياغة الأفكار بما يناسب النشر فى جريدة، وأتحرر من أسر اللغة التراثية العتيدة حتى تليق الكتابة بصحيفة الشروق الجديدة.

وتبقى هنا إشارة أخيرة، واجبة، هو أننى ما كنت لأقبل هذه (المغامرة) أعنى الكتابة الأسبوعية، لولا إصرار الصديق إبراهيم المعلم (الناشر الأشهر)، الذى لا يكف عن الثقة فى المستقبل، والمحاولة الدؤوب من عماد الغزالى، الغالى عندى، فلولاهما لانصرف القلب عن الكتابة، وفيه ما فيه، وانشغل الذهن بما يملؤه ويحتويه.. فإلى الأسابيع المقبلة، والله الموفق.

يوسف زيدان كاتب وروائي مصري
التعليقات