إسماعيل عبد الحافظ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسماعيل عبد الحافظ

نشر فى : الأحد 23 سبتمبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 23 سبتمبر 2012 - 8:45 ص

ترك لنا ثروة هائلة، سيتوارثها المصريون جيلا بعد جيل.. ثروة لن تبدد، فهى ليست مالا أو عقارا، ولكن أهم من ذلك كثيرا، لأنها تتعلق بالفن فى أرقى صوره، والعواطف فى أصفى حالاتها، فضلا على إدراك التاريخ، فى أعمق مستوياته، حين يتجسد فى علاقات إنسانية، متوافقة ومتصادمة، فتبدو أعماله، بتنوعها وتعددها، كما لو أنها وثيقة طويلة، صادقة، عن حياتنا، خلال ما يقرب من مائة عام، بآمالها وآلامها، انتصاراتها وهزائمها، بوقائعها التى تؤثر وتتأثر بأبطاله الذين أصبحت أسماؤهم متداولة، كما لو أنها شخصيات حقيقية، عاشت حياتها، فى قلب مصر.

 

إسماعيل عبدالحافظ، ابن بلاتوهات التليفزيون بامتياز، شكل مع زملاء جيله ملامح الدراما التليفزيونية، التى اختلفت بالضرورة عن أعمال الجيل السابق، الرائد، الذى جاء من السينما والمسرح والإذاعة، وهى الفنون الأقرب للشاشة الصغيرة التى بدأت إرسالها منذ عام 1960.. ابتعد مخرجنا عن النزعة التجريبية التى اتسم بها حسين كمال، وتحرر من المشهدية المسرحية عند جلال الشرقاوى، وتعلم الكثير من نور الدمرداش، خاصة فيما يتعلق بالتركيز على سحر وقدرة الوجه الإنسانى، على التعبير عن أدق الخلجات النفسية، بالإضافة للاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، بما فى ذلك نوعية الأغانى المنبعثة من الراديو، والصور المعلقة على الحوائط، وطريقة تصفيف الشعر.

 

قدم إسماعيل ما يقرب من الثلاثين عملا، من أهمها «ليالى الحلمية»، بأجزائها الخمسة، التى تمثل بالنسبة له ما تمثله «الثلاثية» عند نجيب محفوظ، بل تحظى، فى التراث التليفزيونى، بذات المكانة التى تتمتع بها الثلاثية، فى الرواية المصرية.. جدير بالملاحظة أن الخماسية التى كتبها أسامة أنور عكاشة تبدأ من حيث تنتهى ثلاثية نجيب محفوظ: أواخر الأربعينيات.. وتمتد إلى التسعينيات. إنه مسلسل نهرى، أو مسلسل أجيال إن شئت. تدور أحداثه فى العديد من الأماكن، لكن بؤرتها المركزية هى الحلمية، وبالتحديد مقهى زينهم السماحى، بأداء خلاب لصاحب المقهى، سيد عبدالكريم، ابن البلد، المصرى الشهم، الذى يستقبل معظم أبطال المسلسل، حيث يتابعهم مخرجنا، فى بيئاتهم المختلفة، بأوضاعهم الطبقية المتباينة، فثمة الباشا: رجل الصناعة سليم البدرى ــ يحيى الفخرانى ــ والعمدة الريفى، الإقطاعى، سليمان غانم ــ صلاح السعدنى ــ فضلا عن الطبقة الوسطى، الحاملة لأجمل وأرقى القيم المصرية، الإنسانية، الشريفة، ويجسدها توفيق البدرى ــ حسن يوسف ــ وزوجته الأصيلة، أنيسة، التى تبدو كأنشودة للمرأة المصرية البناءة، القادرة على مواجهة الخطوب بجلد، التى لا تفقد ينابيع حنانها، بأداء فردوس عبدالحميد ثم محسنة توفيق.

 

تندلع كل أنواع الصراعات فى المسلسل: الصراع الساكن، والمتصاعد، والمستتر، والمكشوف، وسواء كان داخل الشخصية الواحدة أو بين شخصيتين، فإن مخرجنا يعبر عنه، من خلال ممثليه، بالنظرة، أو بالصوت، أو بالحركة، فالعنصر البشرى هو وسيلته للوصول إلى إبراز أدق الانفعالات. ولعلك تتذكر نظرة يحيى الفخرانى، الممدد إلى جانب زوجته، وقد امتزج فيها الأسى بالضيق بالكراهية، حين يدرك أنها لا تكن له حبا.. وربما تتذكر آهة صلاح السعدنى الآتية من خوف ملتهب عندما يستولى غريمه على أرضه.. وها هى نازك السلحدار ــ صفية العمرى ــ تلف قماش ستارة، بجنون، حول معصمها، تعبيرا عن غضبها.. فمخرجنا الكبير، منحنا فنا ومعرفة، بسخاء.. رحمه الله.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات