678 - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

678

نشر فى : الأربعاء 22 ديسمبر 2010 - 1:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 ديسمبر 2010 - 1:15 م

 محمد دياب، كاتب ومخرج الفيلم، عالج موضوعه بمبضع جراح وليس بسكين جزار. القضية هنا، بطبيعتها، شائكة ومحرجة ومثيرة للغضب، تغرى بارتفاع الصوت والمطالبة بتطبيق أقصى العقوبات، وربما بتجسيد تفاصيلها على نحو يفتح شباك التذاكر على مصراعيه، كى ينغمس قطاع من جمهور معين فى معاودة مشاهدة الفيلم ولو سرا، ليهاجمه علنا.. «678»، تجاوز كل هذا وحاول الاقتراب، بنعومة، من ظاهرة «التحرش الجنسى» فنجح فى مسعاه بفضل أسلوبه الفنى فضلا عن نضج رؤيته.

فيما يشبه الأفلام التسجيلية، نزلت الكاميرا إلى الشوارع، وتوغلت فى أحراش الأتوبيسات، دخلت إلى المدارس ونقط الشرطة والبيوت المتواضعة وملاعب كرة القدم، وقدمت أناسا حقيقيين، يتحركون ويتصرفون ويتكلمون من دون «تمثيل»: ابتعاد تام عن المغالاة فى الانفعالات، والاعتماد على درجة عالية من الصدق الداخلى، يتبدى بجلاء فى مجرد لفتة أو نظرة عين، بالإضافة إلى ذلك التجانس فى الأداء بين الأبطال جميعا، الذين تنظمهم معزوفة متناغمة، ذات طابع واقعى مقنع.

وزع الفيلم بطولته على ثلاث شخصيات نسائية، مختلفات اجتماعيا ونفسيا، تؤدى أدوارهن «بشرى»، الموظفة البسيطة بالشهر العقارى، تتعرض للتحرش يوميا، فى الذهاب والإياب من العمل، داخل أتوبيس مكتظ بالركاب، يرتسم على وجهها ذلك الشعور الدفين بالقهر الممتزج بالغضب المكتوم، وبالضرورة، تبدو غير مهيأة للتجاوب مع رغبات زوجها الغلبان «باسم سمرة»، المنهك اقتصاديا على الرغم من أنه يعمل فى مهنتين.. ثم «ناهد السباعى»، ابنة الطبقة الوسطى، القادمة من قلب الحياة، الواقفة على أرض نفسية صلبة، الشجاعة التى تتعرض لألوان شتى من التحرش، فثمة سائق عربة نقل يخطف حقيبتها، تطارده داخل الشارع الضيق، المزدحم، فى مشهد مفعم بالحيوية، إلى أن تمسك بتلابيبه.

وفى موقف آخر، يحاول عميل للشركة التى تعمل بها، أن يستدرجها، تليفونيا إلى موعد خاص فتثور ثورة عارمة، تغلق الخط بعد توبيخه، لكن مديرها «كريم كوجاك» يؤنبها ويهددها بالطرد.. إن الفيلم يوسع من رؤيته للتحرش، ولا يجعله قاصرا على الجنس.

أما المرأة الثالثة، التى قام جمهور كرة القدم الوحشى بانتهاك آدميتها، أمام زوجها الضعيف نفسيا «أحمد الفيشاوى»، فتؤدى دورها «نيللى كريم»، المستقرة ماليا، التى تعقد اجتماعات للنساء الخجولات، وتطالبهن بالصراخ بدلا من الصمت، والوقوف بقوة فى وجه من يتحرش بهن.

ينسج الفيلم علاقة بين النساء الثلاث، تتوالى حلقاتها كضفيرة جميلة، وتتحول نصائح «نيللى» إلى سلوك فعلى، فها هى «بشرى» تطعن المتحرشين بها، بدبوس ثم مدية، الأمر الذى يحير ضابط المباحث، بأداء هادئ وسلس من الموهوب «ماجد الكدوانى»، المتفهم لمسار الأمور، والذى يفرج عنهن عقب القبض عليهن.. لكن الفيلم الناعم يقع فى قبضة «الميلودراما» مرة، حين تموت زوجة الضابط أثناء وضعها لمولودة كانت تتمناها، ويقع فى ثرثرة سخيفة، مفتعلة، بين «بشرى» المحجبة و«نيللى كريم» السافرة، تنتهى بأن تقص «نيللى» شعرها الجميل، مما لا يتمشى مع شخصيتها القوية.

«678» لا يفوته فى إدانته وهجائه للمتحرشين، أن ينظر لهم بنوع من الشفقة، فمعظمهم، ممن ضاقت بهم سبل الحياة، عاطلين، مكبوتين، جهلة.. إنه فيلم يستحق الترحيب، به وبمخرجه الجديد، الموهوب، محمد دياب.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات