مادة الأديان - يوسف زيدان - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 8:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مادة الأديان

نشر فى : الأحد 22 مارس 2009 - 6:08 م | آخر تحديث : الأحد 22 مارس 2009 - 6:08 م

«يا نهار أسود، إيه الجنون ده، عاوز حصة الدين تبقى مشتركة فى المدارس، والله دى حاجة عجيبة جدا، الدين، يبقى مشترك!»

.. كانت تلك هى عبارات صاحبى، الحانق علىّ، فور قراءته مقالى المنشور هنا الأسبوع الماضى، حيث دعوت لعدم عزل تلاميذ المدارس أثناء حصة الدين، حتى يتعرف كل منهم على دين الآخر، لعلهم يوما يعرفون أن المسافة بينهم هى أقرب مما يظنون.

غير أن صاحبى لم تعجبه الفكرة، بل أثارت غيظه المكتوم، فانفجر بما قال.. ولما هدأ قليلا، أضاف من دون أن يبتسم أو تنفرج عقدة حاجبيه: يعنى، أنا لا أقصد الإساءة، ولكن كلامك غير مقبول بالمرة، ويا ريت تبطل تكتب فى الموضوع ده، ما فيش داعى للمشكلات، إنت موش ناقص وبعدين العيال دى هتدرس إيه بقى، فى حصة الدين المشتركة.

ــ تدرس المشترك فى الدين.
ــ ما فيش حاجة مشتركة، فيه حق وفيه باطل.
ــ من أى زاوية؟
ــ يعنى إيه من أى زاوية، من زاوية الإسلام طبعا.
ــ طيب، وزاوية المسيحية؟
ــ يا عم مسيحية مين، قول يا باسط.
ــ يا باسط.
ــ بس كده، صل على النبى بقى.
ــ عليه الصلاة والسلام.
ــ تماما، إنت كده زى الفل.

الفل زهر أبيض، بديع، وطيب الرائحة والحضور، وأحوالنا العامة ليست مزهرة، ولا بيضاء، ولا بديعة، ولا طيبة الحضور، ولا تفوح إلا برائحة الدم والقنابل الموقوتة وأصابع الديناميت المزروعة فى عقلنا الجمعى، فى انتظار أن يلمسها أحدهم فتنفجر فى وجوهنا جميعا.. للعنف الكامن فينا، جذور عميقة وتراث عتيد، يتم مؤخرا إحياؤه بطرق شتى، وعبر شخصيات معروفة، مسيحية ومسلمة، لا تكف كل حين عن تقليب الجمر وإحماء الحديد الصدئ للطعن به وقت اللزوم.

ــ إيه، إنت رحت فين؟
ــ أفكر..
ــ يا عم خلاص، بتفكر فى إيه، إرمى ورا ضهرك.
ــ طيب، وبعدين؟
ــ ولا قبلين.. وأوعى تنسى إن الدين عند الله الإسلام.
ــ طيب والمسيحية؟ واليهودية؟
ــ وبعدين بقى، دى حاجات أى كلام.
ــ طيب نجعلها حصة للأديان.
ــ ما فيش فايدة فيك.. سلام.

تركنى صاحبى دون أن يسمع منى المزيد، هو لا يريد أن يسمع مزيدا، فاليقين التام مكتمل فيه «أو هكذا يظن» واليقين أيضا مكتمل عند المسيحيين وعند اليهود، وكل بما لديهم فرحون، وسوف يظلون، والحال هكذا، يقتتلون.. ولا يتوقفون عند أمر يستحق التأمل، هو أن أعصى مشكلات العالم، وأصعبها حلا، المشكلات القائمة بين أهل الديانات السماوية الثلاث.  

يوسف زيدان كاتب وروائي مصري
التعليقات