عهد كامل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عهد كامل

نشر فى : الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:25 ص

عنوان العمود هو اسم مخرجة سعودية، وممثلة فى ذات الوقت، سيكون لها شأن كبير فى عالم الأطياف. شاهدت لها فيلمين روائيين قصيرين. أولهما «القندرجى»، وتعنى الإسكافى، يشاركها فى الأداء عمرو واكد، الذى يطالعنا فى مشهد البداية، جالسا داخل ميكروباص، بنظرات منكسرة، يتحسس شعر فرشاة مسح أحذية وقد استطالت لحيته. فى المشهد التالى، داخل بيته المتواضع، تستقبله زوجته، عهد، وطفله. بعبارات قصيرة نعلم أنه قضى عدة سنوات فى أحد سجون العراق، وها هو الآن، خرج إلى الحرية، لكنه غارق داخل ذاته، نصف مذهول، نصف يائس.. ما الذى عاناه خلف القضبان، وماذا كانت تهمته؟ الفيلم لا يكترث بالبحث عن حكايات، ذلك أنه يركز على تجسيد حالة بطله، الذى يفتح دكانه بعد طول غياب. التراب يعلو كل شىء والصدأ يغلف أدواته. هنا، الإكسسوارات تنطق بالمعانى، والإضاءة الشحيحة فى معظم المشاهد تعبر عن حالة الظلام النفسى للبطل المهزوم. الواضح أن كاتبة السيناريو، المخرجة، تدرك القيمة الدرامية للصمت، فحتى فى المقهى، بينما يتوحد الرواد، بحماس، مع فريق بلادهم الذى يحرز هدفا، يكتفى المتفهم الموهوب، عمرو واكد، بما يشبه الابتسامة الميتة.. فى الليل، تتزين زوجته، عهد كامل، تحنو عليه وهى مليئة بالأشواق، تتبدى هادئة، عميقة، على استحياء فى عينيها. تلثم ظهره المخطط بعلامات السوط. الزوج، يسدل طاقية سوداء على كل وجهه، تماما مثل الطاقية السوداء للمحكوم عليهم بالإعدام، فيبدو الرجل كما لو أنه جسد بلا رأس. نهاية بارعة، مؤثرة، تؤكد أن السجن يقتل الروح.

 

وجه عهد كامل النحيل، بتقاطيعه الدقيقة، ينتقل من انفعال لانفعال، بنعومة واقتصاد، فمن الواضح أنها استوعبت فن الأداء التمثيلى، إبان دراستها فى الولايات المتحدة الأمريكية، وقيامها بأدوار قد تكون صغيرة، ولكن مهمة، مع مخرجين فى قامة بيتربرج، صاحب الفيلم المثير للجدل «المملكة» 2007.. عهد كامل، الطموحة، متعددة المواهب، تحقق فيلمها الثانى، بعنوان «حرمة»، المتسم بالشجاعة، فضلا عن اتساع الرؤية وعمقها، فبعيدا عن الصور التقليدية للسعودية، بقصورها وعماراتها الفاخرة، تتجه عهد إلى الشوارع الخلفية، بيوتها الصغيرة، الفقيرة، لتقدم، بأدائها، بطلتها «أريج» التى توفى زوجها، وتركها بجنين فى بطنها، بلا مال أو سند. تواجه بإرادة قوية، ظروف حياتها القاسية، سواء من مؤسسة الضمان الاجتماعى، بروتينها المضجر، وموظفيها غير العابئين بعناء طلاب الحاجات، أو من شقيق زوجها، الفاسد، بأداء جيد من محمد بكر. يزعم أن شقيقه اقترض منه مبلغا كبيرا، يريد استرداده، ويطمع فى الاستيلاء على مسكنها المتواضع.. وسط حياتها الرتيبة، وهى تبحث عن عمل من دون طائل، تلتقى أمام بيتها بصبى مصاب بطعنة. تشفق عليه، تدخله شقتها الصغيرة، تطببه، تتحرك رغباته نحوها. توقفه عند حده. تستبقى العلاقة فى حدود الأم بابنها.. الصبى يدرك حاجتها للمال. يخرج للعمل. يعود بنقود كثيرة. يمنحها لها. تعرف أنه يتاجر فى توزيع المخدرات، تتواطأ معه. التحولات هنا أطول من أن يتحملها الفيلم القصير، وبالتالى يهتز «حرمة» من ثقل حمولته، ويبدو كما لو أنه، أصلا، فيلم طويل جرى تلخيصه على نحو دفع المخرجة إلى بتر الكثير من تفاصيله، وجعلها تدفع أبطالها، قسرا، إلى اختيارات تتطلب مقدمات متأنية، تقنع المتابع بمنطقية تصرف «أريج» العاقلة أصلا.. عموما، تنهى عهد كامل فيلمها بمشهد طويل، قوى فى تفاصيله، تحذيرى فى معناه.. شقيق الزوج، الوغد، يقتحم شقتها الصغيرة، يمسك الصبى المذعور. يعثر على الأوراق المالية. فورا، بإحساسه الشرير، يدرك مصدر النقود. وبينما هو، بلا تردد، يتفق معهما على مشاركتهما فيما يقومان به، تنهمر المياه من تحت ملابس «أريج» إيذانا بالولادة.. هكذا، كما لو أن فنانتنا النابهة تسأل: فى أى عالم سيأتى المولود؟.. عهد كامل، ننتظر ونتوقع منها الكثير.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات