مجرد نموذج - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مجرد نموذج

نشر فى : السبت 21 أغسطس 2010 - 10:37 ص | آخر تحديث : السبت 21 أغسطس 2010 - 10:37 ص

 لا تصدق من يرفض البرامج الفضائحية عندنا على أساس أنها محاكاة وتقليد لبرامج مماثلة تقدمها تليفزيونات غربية، تختلف قيم مجتمعاتها المتسيبة عن أخلاقياتنا المحافظة، الراسخة، الموروثة عن السلف الصالح. وبعيدا عن التغنى المكرر والممجوج بنبل قيمنا، تبدو المغالطة الأهم ممثلة فى الاستخفاف بالبرامج التليفزيونية الأجنبية، ذلك أن هذه البرامج، شأنها شأن الكثير من الصناعات الغربية، وصلت إلى درجة عالية من الجودة والإتقان،

مما أتاح لها أن تصبح من الصادرات ذات الشأن، تبثها تليفزيونات عربية، وتجد لها رواجا تستحقه عن جدارة.. خذ مثلا، واحدة من الحلقات التى تقدمها المذيعة السوداء اللامعة (أوبرا وينفرى) التى تعطينا مثالا رفيعا فى جدية الإعداد وعمق التناول وقدرته على جذب المشاهدين، فضلا عن قيمته الإنسانية.. الحلقة تدور حول مصير أصحاب الصور الفوتوغرافية الشهيرة، التى مرت عليها سنوات طويلة والتى ربما لم يخطر على بال أحد أن يسأل عما حل بالكائن الموجود داخل الصورة.. الفكرة جديدة ومبتكرة برغم بساطتها، ثم يأتى التطبيق الذى يجمع بين الذكاء والعمق حين يقع الاختيار على واحدة من أهم الصور التى عبرت عن مأساة ووحشية الحرب الفيتنامية: طفلة، فى السابعة من عمرها، عارية تماما، تنهمر دموعها وهى تجأر بالصراخ، تجرى فى مواجهة الكاميرا، وخلفها ألسنة اللهب تتصاعد من قريتها التى تحترق إثر غارة أمريكية غادرة.. أين ذهبت هذه البنت؟

الإجابة تأتيك من قلب البرنامج. فريق الإعداد تعقب مشوارها إلى أن غدت سفيرة نوايا حسنة فى الأمم المتحدة، وها هى تحكى عن محطات حياتها للمذيعة التى تصغى لها، بكل ملامح وجهها.. وفى ذات الحلقة، ثمة صورة أخرى، لطفلة رضيعة، تعانى سكرات الموت، إبان موجة التصحر التى أودت بمياة الأطفال والكبار فى أفريقيا. الصورة للرضيعة تكاد بعينيها الجاحظتين ووجهها الذى برزت عظامه وفمها المفتوح. صورة تنطق بمأساة أفريقيا.

التقطها مصور فرنسى عاد لبلاده بعد أن سلم الطفلة لإحدى الراهبات، وبعد عدة عقود، بحث طاقم إعداد برنامج «أوبرا شو» عنها. اكتشف أنها أصبحت أستاذة فى جامعة «أكرا»، وها هى تروى للمذيعة كيف واصل هذا المصور رعايتها، عن بعد، إلى أن بلغت ما بلغته.. وفى لمسة إنسانية مؤثرة، أغرورقت أعين المرأتين بالدموع، حين أخبرت الضيفة صاحبة البرنامج أن الصحفى النبيل، الذى لم تره، رحل عن الحياة.
هذا نموذج يبين لنا، بجلاء، كيف يستطيع برنامج واحد، أن يكون أجدى، وأكثر نفعا، وأبعد عمقا، ليس بالنسبة لمئات البرامج التى نقدمها وحسب، بل إذا وضعت فى كفة أمام ما يقرب من العشرين قناة تليفزيونية، دأبت، بعزيمة وإصرار، على الاحتفاء بكل ما لا يفيد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات