الطيب.. فى عيون النحاس - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطيب.. فى عيون النحاس

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2016 - 10:15 م
نموذج رفيع للنقد السينمائى، يتحقق، فى هذا الكتاب الشائق، المكتوب بذهن صاف، واضح المعايير، مدججا بالعلم والخبرة، فضلاً عن عاطفة دافئة، تعرف كيف تعبر عن خلجاتها بعبارات تجمع بين الصدق والدقة.

لا غرابة فى ذلك، لأن كاتبه، المثقف الكبير، صاحب «النيل أرزاق» ١٩٧٢، الذى فتح أفقا رحبا أمام السينما التسجيلية، حين استبعد المعلق، إحدى آفات أقلامنا فيما قبل، واستبعد معه السادة، والوزراء، والوجهاء، ليجعل من الناس العاديين، المكافحين م أجل لقمة العيش، أبطالا، يتصدرون الصورة.. فيما قبل «النيل أزراق»، وما بعده، دأب هاشم النحاس، على القيام بدور تنويرى، بمقالاته النقدية، ودراساته، ومحاضراته، وتنظيمه للندوات، ومشاركاته الفعالة فى تكوين الجماعات السينمائية، وبالتالى، أصبح مرجعا موثوقا به، فى كتاباته الثمينة، وأحدثها، هذا المرجع المهم، الشامل، الممتع، عن المخرج المتمكن: عاطف الطيب.

يقع الكتاب فى «٣١٢» صفحة من القطع الكبير، يتابع فيها النحاس، نتائج الطيب، منذ «الغيرة القاتلة» ١٩٨٢، حتى «جبر الخواطر» ١٩٩٨، مرورا بـ«١٩» فيلما، بالإضافة للعملين المذكوريين.. منهج الناقد يعتمد على نظرتين، واحدة أفقية، والثانية رأسية.

الأفقية، تهتم بكل فيلم على حدة، يسجل، فى البداية، عنوان الفيلم وأسماء العاملين به، وتاريخ العرض، ثم يرصد، من على الشاشة، تتابع المشاهد، أى أنه لا يسرد قصة الفيلم، ولكن يجسده على الورق، وهى مسردة «نادى سينما القاهرة»، فى نشراته ذات القيمة الرفيعة، حيث ترسخت تقاليد تنص على كتابة تتابع مشاهد الفيلم قبل تحليله تقييمه.. هذه الطريقة التى تتلمس روح العمل، ليست اختراعا مصريا خالصا، ذلك أنها تتبع فى الكثير من الكتب، التى صدرت عن كبار المخرجين، مثل الفريد هيتشكوك وفيديريكو فللين، حيث تتضمن السيناريو المكتوب أصلا، ثم السيناريو كما أصبح عليه، بعد تحقيقه على الشاشة.

كتابة التتابع يتطلب درجة عالية من اليقظة، الحساسية، الدقة، وهى شروط تتوفر عند هاشم النحاس، تمكنه من نقل الحركة المادية، على الشاشة، بظلالها، وإيحاءاتها. مثلا، تأتى سطور تتابع «التخشيبة» ١٩٨٤، كالتالى «قبل العناوين ــ عربات إسعاف تخترق الشوارع وصوت السرينة يرتفع طوال المشهد حتى تصل إلى المستشفى، وداخل المستشفى نرى نبيلة عبيد تعالج المصابين».. هنا، لا يفوت النحاس، رصد المؤثر الصوتى المصاحب للمشهد.. وفى أفلام أخرى، يلفت النظر إلى توقيت المشهد، فى الصباح أم المساء، ولا تفوته الإشارة إلى نوعية الإضاءة.. لذا، يمكن القول إن أفلام عاطف الطيب تنبض بالحضور، فى التتابعات التى يرصدها الكتاب.

بتواضع، يأتى تقييم هاشم النحاس، عقب التتابع، بعنوان رقيق، مفيد ومختصر، مكون من كلمة واحدة، هى «ملاحظات».. والحق أنها تحليلات نافذة، تضع كل فيلم فى سباقه الاجتماعى والسياسى، فضلاً عن علاقته بالواقع، مع تحليل لأسلوبه الفنى، وهنا، يربط النحاس القضايا التى أرقت عاطف الطيب، وانتقلت من فيلم لآخر.

تتجلى الرؤية الرأسية لأعمال الطيب، فى «ملاحظات» سديدة، كما جاءت فيما يتعلق بـ«ليلة ساخنة» ١٩٩٦: يرصد الفيلم كغيره من أفلام عاطف الطيب بعض الظواهر الاجتماعية المعيشة كالتطرف الدينى، التدين الشكلى، فساد إدارة الشرطة، ترحيل الشباب إلى أفغانستان.. الفيلم من نوعية أفلام الطريق، ويأخذ شكل الرحلة.

عن «سواق الأتوبيس» ١٩٨٣، يرصد النحاس عدة عناصر، ستتردد فى أفلامه التالية، مثل: الصداقه وأهميتها، ذكر حرب ١٩٧٣، والتى تمثل جزءا من سيرة «الطيب» الذاتية، السخرية من التظاهر الدينى الشكلى، فكرة التحول الاجتماعى مع الانفتاح الاستهلاكى، الاحتماء بالتاريخ من خلال التردد على الهرم، استهدام التصوير فى الشوارع، خارج الاستوديو.

يدخل النحاس نع الطيب إلى بهو مرايا النقاد، يسجل آراءاهم المختلفة وتقييماتهم المتباينة، لكل فيلم على حدة، وبهذا يفتح أفقا جديدا فى الثقافة السينمائية، تستحق الاستكمال والتعميق، وذلك بالدرساة المقارنة بين مناهج النقاد، بل تمتد إلى بحث توجهات المؤسسات الصحفية، ودلالاتها، الأمر الواضح فيما يتعلق بفيلم «ناجى العلى» ١٩٩٢، حين قاد إبراهيم سعدة، رئيس تحرير «أخبار اليوم» حملة مهولة ضد الفيلم وصناعه وناجى العلى نفسه، وبينما اتخذت مؤسسة الأهرام موقفا متزنا، يكاد يؤازر «ناجى العلى»، رفضت مؤسسة التحرير نشر مقالة ايجابية لماجدة موريس فى جريدة الجمهورية، وجرى التحقيق مع الأستاذة، خيرية البشلاوى، لنشرها مقالة نزيهة. بقلمها، فى جريدة المساء.. المواقف المتضادة، يبينها الكتاد، طوال عشر صفحات، ربما افتقدت ما كتبه إبراهيم سعدة، وغيره، لكن، أتوقع، وأتمنى، أن يقوم أحد نقادنا الشباب، بدراسة دروب تلك المعركة.

هذا الكتاب المتسم بالوعى، المكتوب بمداد المحبة، أكبر من عنوانه: «عاطف الطيب، رائد الواقعية المصرية المباشرة»، لأن كلمة «المباشرة» توحى بتصوير ما يجرى على السطح، بينما، حقيقة، كما يبين النحاس، أن الطيب، يرى الواقع، وينفذ ببصيرته إلى جوهر ما يعتمل فى أعماقه.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات