تونى خليفة.. النمر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تونى خليفة.. النمر

نشر فى : السبت 20 نوفمبر 2010 - 9:52 ص | آخر تحديث : السبت 20 نوفمبر 2010 - 9:52 ص
التشابه بين تونى خليفة والنمر ليس فقط بسبب قوامه الممشوق ورقبته الطويلة ورأسه الصغير، ولكن لأسلوبه الذى يعتمد على عدم التعاطف مع ضيفه الذى يتحول، فى الكثير من الأحيان، لمجرد فريسة. عادة، يبدأ لقاءه بملامح باردة، مع ابتسامة محايدة، فترات الصمت التى تتوالى تبدو كما لو أن صاحبها يطلب مزيدا من الإقناع، الأمر الذى يدفع الضيف للكشف عن جوانب قد تكون خفية، أو لا يريد الإعلان عنها.. تونى، ينقل نفسه سريعا من كونه محاورا إلى موقع المحقق ويقفز إلى كرسى القاضى. وحينها، يرتبك الضيف، وقد يتخبط فى أقواله، أو يبذل ما فى وسعه لسرد تفاصيل يرى أنها تبرئه.. عنذئذ يعود تونى إلى نظرة الشك المقلقة، مستكملا دائرة التحقيق، ثم القضاء، والتى تكون، عادة، الكلمة الأخيرة له.


فى إحدى حلقات «للنشر» الذى يقدمه على شاشة الجديد، يناقش قضية بيع الأعضاء البشرية فى لبنان. وبعد عرض ما يشبه الفيلم التسجيلى عن أحد الذين باعوا كلاهم، يدافع أحد الجراحين، عن زملاء مهنته، وتندلع بين الطبيب والمذيع لعبة الفأر والقط، ويؤكد الجراح أن القانون والعرف وما يحدث فعلا، يلزم المستشفى والأطباء أن يكون المتبرع بكامل وعيه، وبإرادته الحرة، وأنه يهب كلاه من دون ضغط أو إكراه أو بثمن، فضلا عن ضرورة استلام تقرير من طبيب نفسانى، ينص على سلامة الحالة الذهنية والعاطفية للمتبرع، بالإضافة إلى شهادة أهل المتبرع وحضورهم أثناء إجراء العملية.. تونى خليفة، الهادئ، يتحول من قاضٍ إلى نمر، يقدم على توجيه ضربة شرسة، لا تخيب، عندما يباغت الجراح بقوله «كل هذه الإجراءات تتم فعلا، لكنك تعرف، فى قرارة نفسك، أن هذه العملية ليست هبة لوجه الله، ولكن صفقة بيع وشراء». عندئذ، يدرك الطبيب المتصبب عرقا، أنه وقع فى كمين من الصعب الخروج منه.. وتنتهى الفقرة.

تونى خليفة، المنتبه دائما، لا يستجيب للاستفزاز، صوته لا يرتفع أبدا، مقتصد فى تعبيرات ملامحه إلى أقصى حد، قناع الحياد لا يسقط عن وجهه، لا يلقى بقنبلته بضجيج، ولكن يضعها، بقلب بارد، فى المكان والتوقيت النموذجيين، سواء فى نهاية اللقاء مع ضيفه أو فى بدايته. إنه يعرف تماما متى وكيف ينقض على فريسته. وهو واسع الحيلة، ناعم وقاس فى آن، من الممكن أن يصدم ضيفه بمعلومة تثير الخوف. ففى إحدى حلقات برنامجه المذكور، يقدم حالة متكررة: امرأة تركت طفلها الذى لم يتجاوز العام ونصف العام، أمام ملجأ السيدة العذراء فى بيروت، واستطاع الأمن الوصول لها، وها هى تحكى قصتها المعهودة، المغرقة فى «الميلودراما»: الطفل يعانى من ضمور فى المخ، يسبب عدم التركيز، وفقدان القدرة على التحكم فى عضلات الجسم، وهى، عندها أربعة أطفال، صدمت بوفاة طفلين غيرهم، وتخشى أن تصدم بوفاة هذا الابن العليل، وبالتالى تركته لذوى القلوب الرحيمة..

ولأن «النمر» لا يؤمن بالعواطف المتورمة، يباغت المرأة بقوله «ربما ستصدمين مرة ثالثة فى هذا البرنامج، فثمة تسريبات تتوقع القبض عليك، لأن القانون يجرم التخلى عن طفل مهما كان السبب». حينها، تتغير نبرة المرأة التى تحاول الخروج من المأزق، لكن عبثا، ذلك أنها أدركت، فى لحظة تنوير مؤلمة، كما أدرك المشاهد، أن المسألة لا تؤخذ بالعواطف.. تونى خليفة، مذيع من أصحاب الأساليب.

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات