منزل صدام - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منزل صدام

نشر فى : الأربعاء 19 ديسمبر 2012 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 19 ديسمبر 2012 - 9:30 ص

فى تصورى، أن المخرج البريطانى، المشارك فى كتابة السيناريو، اليكس هولمس، انتابته الحيرة، حين كلف بعمل مسلسل عن صدام حسين، فالموضوع شائك من عدة وجوه: الأحداث قريبة، معروفة للجميع، والشرائط الوثائقية متوافرة، والشخصيات، من غاب منها ومن على قيد الحياة، كلها، لا تزال عالقة فى الأذهان.. ثم، الموقف من الرئيس المعدوم، بين الناس، شديد التناقض، فبينما يرى البعض أن مصيره الفاجع يليق بطاغية، يعتقد آخرون أنه صاحب مشروع كبير، تكالبت قوى شريرة من أجل إجهاضه.. ولأن المسلسل من إنتاج الـ«بى. بى. سى» البريطانية، بالمشاركة مع الـ«إتش. بى. أون» الأمريكية، فإنه يصبح على المخرج، كاتب السيناريو، وهو يتظاهر بالتزام الحيادية، عدم إدانة إنجلترا، وتحاشى غضب العم سام.

 

أريحية اليكس هولمس قادته نحو موروث جده الثرى، وليم شكسبير، وبالتحديد إلى «ريتشارد الثالث»، أكثر أبطال التراجيديات إيغالا فى الدم، وتمسكا بالسلطة، الذى لم يتورع عن قتل ابنى أخيه، الملك إدوارد، كى ينفرد بالحكم، وجاءت نهايته صريعا، وحيدا.. لم يجد هولمس تشابها بين صدام حسين و«ريتشارد الثالث» وحسب، بل عثر على أصداء متبادلة بين دسائس قصور ملوك شكسبير ومؤامرات منزل الرئيس العراقى.. الواضح أن أثر شكسبير يمتد إلى معظم جوانب الثقافة البريطانية، حتى إن صحيفة «الإندبندنت»، إذ لم تخنى الذاكرة، كتبت، فى صفحتها الأولى، عنوان مقتل زوجى ابنتى صدام حسين كالتالى: «لير» على الطريقة الشرقية. الملك يفتك بأسرته، ويظل باقيا على العرش.

 

«منزل صدام» مكون من أربع حلقات، تستغرق الواحدة ما يقرب من الساعة، تبدأ بمشاهد مما سبق، أو بما سنراه.. وثمة بعض المشاهد الوثائقية، القليلة، المعروفة، تتناثر هنا وهناك، كى تدعم الإحساس بصدق المسلسل، وتبين تاريخ الأحداث، وتطمس الكثير من الحقائق.. مع مدخل الحلقة الأولى، قبل ظهور العناوين، تطالعنا صورة بوش ــ الابن ــ خلال الشاشة الصغيرة، وهو يلقى بيانا موجها للشعب العراقى، يقول فيه «المستبد سيرحل قريبا يوم تحرركم أصبح وشيكا.. صدام وأولاده يجب أن يغادروا العراق خلال 48 ساعة..» وبينما يتواصل الخطاب، يستمع صدام، مع طارق عزيز وخلصائه، بملامح جامدة، وفورا تأتى لقطة القنابل الشهيرة، من بعيد، تضىء ليل بغداد.. وهذه اللقطة بالتحديد، تموه ما تخلفه الغارة من قتلى وجرحى، كما لو أنها تلقى على مدينة بلا بشر، وطوال المسلسل، يتحاشى «منزل صدام»، الاقتراب من ممارسات الغزاة ضد الناس، اللهم إلا فى أضيق الحدود، وعلى نحو ناعم، خجول، كما لم يرد ذكر للقوات البريطانية، أو تونى بلير، وكأنه لا حضور لهما على مسرح الأحداث.. عقب انفجارات القنابل، تقوم زوجة صدام، وبقية أفراد الأسرة، بالاستعداد للمغادرة، بينما يقرر صدام، مع ولديه، البقاء فى العراق، لمواصلة القتال، والمسلسل فى هذا يختصر الوقائع المعروفة عن الحرب، ومسارها، ثم تظهر العناوين التى تأتى كفاصل بين الحاضر والماضى، فالمسلسل يرتد من عام 2003 إلى صيف 1979، وهنا يتجلى أحد ملامح أسلوب اليكس هولمس، المبنى على إبراز مفارقات تبين أغوار صدام حسين، من وجهة نظره طبعا، فوسط أجواء مبهجة، حميمية ودافئة، احتفالا بعيد ميلاد ابنته الصغرى، يأتى الرئيس، البكر، ويرحب به الجميع، بمن فيهم نائبه ــ صدام ــ الذى ينفرد به فى غرفة داخلية، مع بعض معاونيه، ليطلب منه، بتهذيب وحسم، ترك الحكم والتقاعد. يدرك البكر أنه وقع فى مصيدة، وليس أمامه سوى الامتثال.. هكذا يظهر صدام حسين، بأداء الممثل الإسرائيلى، العراقى الأصل، إيجال ناعوم: رجل مستوحد، غارق داخل ذاته، جامد الملامح، لا أحد يعرف اتجاه تفكيره، قوى البنية، قد يظهر حنانا ومحبة فى لحظة، لكن بعدها، بمنتهى الغدر، يودى بأقرب أقاربه، رجاله، خلصائه، إلى أتعس مصائر، فما إن يتخلص من البكر، بمساعدة وزير الدفاع، حتى يجرى مذبحة مروعة لرفاق الحزب، ويقوم بنفسه، بإطلاق الرصاص على رأس صديقه الحميم، عدنان الحمدانى، بعد حضنه وتقبيله.

 

يؤكد المسلسل، المرة تلو المرة، وحشية صدام حسين، من دون الالتفات إلى الظروف المحيطة به، والعوامل المتعددة، المركبة، التى ساعدت على إطلاق جحيم الشراسة داخله.. إنه يبدو، حسب رؤية الكس هولمس، كما لو أننا إزاء قاتل متسلسل، أتاحت له السلطة فرصة إشباع نزعته الشريرة، فها هو، فى الحلقة الثانية، بإيعاز منه، يفجر طائرة وزير دفاعه جوا.. وفى الحلقة الثالثة، حسب أوامره، يتم تصفية زوجى ابنتيه.. ومن المنطقى أن نسأل: أين السياسة، والظروف التاريخية، وعلاقات الرجل بجيرانه، والولايات المتحدة، ودول التحالف؟.. والإجابة تستلزم وقفة ثانية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات