أشياء لا تشترى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أشياء لا تشترى

نشر فى : السبت 19 سبتمبر 2009 - 9:47 ص | آخر تحديث : السبت 19 سبتمبر 2009 - 9:47 ص

 افرض أن رجلا واسع الثراء قرر شراء تذاكر القطار كلها، فى رحلات يوم ما، من القاهرة إلى الإسكندرية مثلا، وأنه، من باب الشفقة، ترك بعض المقاعد القليلة، يتصارع عليها الجميع، فكيف سيكون عليه الحال، وما هو رد الفعل؟ طبعا، ستحدث فوضى عارمة، وقد تتدخل الحكومة، وبالتأكيد سيتحرك المجتمع المدنى، وسيكتب أكثر من صحفى ضد موقف الرجل الثرى، وغالبا، سيلغى حجز القطارات، لأن هناك، فعلا، أشياء لا تشترى.

هذا الكلام بمناسبة ما جرى طوال شهر رمضان على قنوات التليفزيون الرسمية، فإذا كان من حق المشاهدين قضاء عدة ساعات فى رحلة مع المسلسلات أو البرامج، فإن مجموعة من الأثرياء ــ شركات ومؤسسات وأفراد ــ اشتروا الزمن، وأصبح الوقت من ممتلكاتهم، يتصرفون فيه كيفما شاءوا، وبدلا من أن يسلك هؤلاء الأثرياء سلوكا متحضرا، فيأخذون ما يحتاجونه من دقائق، للترويج عن بضاعتهم، تجدهم تصرفوا على طريقة من اشترى معظم تذاكر القطار، من دون ضرورة، وبالتالى لا يوصف إلا بالسفه، ولا يؤدى إلا للضيق والنفور وربما يصل إلى حد الكراهية، فأصحاب الإعلانات توقفوا عند المعلومة القائلة «إن الإلحاح يدفع الزبون للشراء».

ولم يدركوا معلومتين أكثر أهمية، تتعلق الأولى بالتوقيت الملائم لبث الإعلان، وتشير الثانية إلى مغبة الإلحاح إذا زاد على حدة.

لم ينتبه، أو لم يكترث، تليفزيوننا بهاتين المقولتين، ففجأة، بدون أى تهيؤ نفسى، وفى لحظة من الممكن أن تكون لحظة إبداعية جميلة، أو وسط موقف مثير وقوى، تأتى جملة موسيقية كئيبة، متكررة فى كل القنوات، مع صورة القلعة وبجوارها فانوس، ثم تنهمر مجموعة متوالية من الإعلانات، تبدأ غالبا برجل عجوز ينزل سلم فيللا هاربا من مطاردة «أحمد مكى» الذى يرفع فخذة خروف وهو يصيح: فخذة ياعمى.. ثم يتعقب «عمه» بالأكل حتى يكاد العم يختنق، وينقذه الشاب بمشروب غازى.

الإعلان قد يكون لطيفا، لكنه يأتى مع بقية الإعلانات، فى وقت، وفى لحظة، غير مناسبة تماما.

وهو، مع غيره من الإعلانات، يجرى إعادة بثه طوال النهار والليل، مما يثير مزيجا من الدهشة والاستنكار، فأولا: ما المفيد فى إعلانات تجعلك تكره السلع التى يروج لها، وهو ثانيا، مع الإعلانات الأخرى، يستولى على وقت دافعى الضرائب، الذين من حقهم مشاهدة تليفزيون وطنهم، بطريقة إنسانية، وكما لا يحق لأحد شراء تذاكر القطار وحده، لا يحق لأحد شراء وقت التليفزيون، على هذا النحو الفج.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات