حكاية من زمن جميل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكاية من زمن جميل

نشر فى : الثلاثاء 19 فبراير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2013 - 8:00 ص

تستحق أن تروى فى هذه الأيام القاسية، خاصة إذا كان المخرج، المصور الكبير أصلا، سعيد شيمى هو الذى يسردها لنا، من خلال بطلها، ابن بورسعيد، محمد مهران، صاحب الصفحة المشرقة، فى كتاب الوطنية المصرية، حيث تشغل فيها المدينة الباسلة، مساحة لا يستهان بها.

 

«حكاية..» من إنتاج عام 1997، يبدأ من الصباح الباكر، مع صوت رنين المنبه، الرجل الضرير يتناول طعام الإفطار داخل شقته النظيفة، المتوسطة الحال، بعد أن ارتدى ملابس الخروج. بأصابع مدربة، يمد يده ليأخذ، من فوق المائدة، كوب الشاى الذى أعدته زوجته الطيبة، مثل كل الستات المصريات، ومن المذياع يتهادى صوت عبدالحليم حافظ بالأغنية العذبة التى تتغزل فى نهر النيل «يا تبر سايل بين شاطئين».

 

لأن سعيد شيمى، من أساتذة التصوير فى الشوارع التى يعشقها، فإنه، من خلال عدسة ابنه، المصور شريف شيمى، يتابع مسار محمد مهران، ببذلته الأليفة، ونظارته السوداء، فى طريق يعرفه تماما المعرفة. يرد تحية الصباح على جيران يميز أصواتهم. تتابعه الكاميرا حتى وصوله لمكان عمله «متحف بورسعيد الحربى».

 

وبمهارة، وبحكم الضرورة، يمزج الفيلم بين الخاص والعام، فالمحطات الأساسية فى حياة بطلنا، ترتبط أشد الارتباط بأحداث الوطن، فهنا، يرتد بطلنا إلى عام 1956، وبالتحديد، يوم 5 نوفمبر، حين أخذ الغزاة فى إنزال أول مجموعة من المظليين، على مطار الجميل، فتصدى لها أبناء المدينة، من الفدائيين، وبصدق يحكى الرجل عن المعركة التى نشبت بين المصريين والموجات المتتالية من البريطانيين.. محمد مهران، يذكر بمحبة وتقدير، اسم زميله فى الخندق المحفور على عجل، زكريا محمد أحمد، وكيف أنه خرج ليطلق رصاصات على الأعداء الذين يقتربون من المكان، ويستشهد، ثم يواجه مهران الغزاة بإلقاء القنابل اليدوية. يصاب فى قدميه، بينما ينجح فى إصابة الأعداء، ومن بينهم ضابط كبير. ذكريات مهران تتدفق بوضوح، كما لو أنها حدثت منذ أيام قليلة. ثم نقله إلى مستشفى فى قبرص، مع الضابط المصاب فى عينيه، وهناك أخبره الطبيب بأنهم سينزعون قرنية إحدى عينيه لنقلها للضابط الذى فقد بصره، وسيتركون له القرنية الثانية إذا هاجم نظام عبدالناصر، وأعلن فى الـ«بى بى سى». إن أهالى بورسعيد استقبلوا الغزاة بالورود، وعندما رفض انتزعوا القرنية الثانية وأصبح ضريرا.

 

بعد إعادته إلى مستشفى ببورسعيد قام الفدائيون بخطفه والتوجه به إلى مستشفى بالقاهرة.. الحماس يدب فى صوته، وهو يحكى عن زيارة عبدالناصر للجرحى والمصابين، وكيف احتضنه، وقال له: «إن ما فعلوه يهدف إلى إخافتنا.. إنهم أغبياء، ذلك أن مسلكهم الإجرامى هذا، يشد من عزيمتنا».. ولا يفوت شيمى، الأب والابن، التركيز على صورة عبدالناصر، وهو يحنو، بمحبة خالصة، على ابن بورسعيد.

 

يدعم سعيد شيمى فيلمه بمشاهد ولقطات وثائقية، بعضها من «فليشهد العالم»، ولا يفوته التركيز على صورة زفافه من الفتاة التى عرضت عليه، بإرادة كاملة، منحه إحدى عينيها.. وأصبحت، كما يقول مهران، عينيه اللتين يرى بهما كل شىء.. وها هى، بعد أربعة عقود، تجلس بجواره، فى حديقة، لتستقبل معه أحفادها، الذين أتمنى ألا يكونوا قد أصيبوا بأى سوء فى الأحداث المؤلمة التى وقعت لأبناء بور نضال، الذين لا شك عندى أنهم سينتصرون على غزاة الداخل، كما انتصروا على غزاة الخارج.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات