وردة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وردة

نشر فى : الخميس 19 يناير 2012 - 9:30 ص | آخر تحديث : الخميس 19 يناير 2012 - 9:30 ص

تمنيت أن أقدم هذه الوردة إلى كل واحد، فردا فردا، فى طابور الشرفاء، انتظارا للتحقيق معهم، فى اتهامات لا تخطر على بال، أمثال نوارة نجم، علاء عبدالفتاح، الشيخ مظهر شاهين، لكن وجدت القائمة تطول بما يتجاوز العمود، فآثرت إهداءها لكل من أضير ظلما، حيث تدعى السلطة أن «مرشدا»، أو «مخبرا»، أو «بلطجيا»، شهد بما اقترفوه من آثام.

 

الوردة اقتطفتها من بستان جون هوارد لوسن، وهو، بدوره، انتقاها من حديقة أريستوفانيس، وكلاهما يستحق التنويه: لوسن، فنان أمريكى كبير، متعدد المواهب، شجاع، وقف ضد الماركثية بعقل ثاقب وقلب من حديد. هاجم محققيه وهم فى قمة سطوتهم. فضخ المتواطئين. كشف النقاب عن الوجوه القذرة. وقف إلى جانب زملائه الذين تعرضوا للغبن، وبالتالى وضع العتاة اسمه فى «القائمة السوداء»، بادعاء أنه يعمل ضد أمريكا.. لاحقا، انهارت المكارثية، وأصبحت صفة دميمة للأنشطة المنحطة التى تمارس ضد أصحاب الضمائر الحية. وفى عام 1953 ظهر كتاب تنويرى لجون هوارد لوسون بعنوان «الفيلم فى معركة الأفكار»، يحلل فيه، بأسلوب ممتع وعميق، الأسس الفكرية والفنية التى تنهض عليها تيارات السينما الأمريكية المعادية للشعوب، والتقدم، والتى تحتفى فى ذات الوقت، بالقيم المتدنية للوشاية، والتسيد، والتضحية بالآخرين.. وفى معرض نقده القوى للأفلام التى على شاكلة «كنت عميلا للمخابرات الأمريكية»، و«المرشد السرى»، لا تفوته الإشارة إلى أجواء الهلع التى تثيرها السلطات، بزعم وجود مؤامرات من الخارج، ومأجورين فى الداخل، وينبه لوسن إلى أن أسلوب الإرعاب والقمع، الذى تفوقت فيه «المكارثية»، والذى وقف ضده الشرفاء، له تاريخ موغل فى القدم. دليله فى هذا.. أرستوفانيس، الكاتب المسرحى، اليونانى، الذى يفصله عنه عشرات القرون، فبينما عاش لوسن فى القرن العشرين «1894 ــ 1977»، عاش أرستوفان قبل الميلاد «448 ــ 380». ولكن بينهما وشائج شديدة المتانة.

 

أرستو فانيس، شاعر الكوميديا، أحد ملوك الهجاء، يعتمد فى مسرحياته على المشاهد القصيرة، وتتضمن نقدا لاذعا للوضع السياسى، وللشخصيات الأدبية التى لا يرضى عنها.. ومن مسرحية «بلوتوس»، اختار لوسن هذا المقطع الذى يدور بين مواطن شريف، عادل، يزعجه أن يرى «مخبرا» يجرجر رجلا متوعدا إياه بأدوات التعذيب التى ستجبره على الاعتراف بذنوبه.. ويتدخل المواطن العادل قائلا إنه يتمنى دمار «هؤلاء المرشدين الأشرار» ويندلع بينهما الحوار التالى:

 

المرشد: أنت تهزأ بى. حسن، إذن فإننى سأبلغ عنك بوصفك متواطئا معهم.

 

الرجل العادل: أنت كاللص، تندس إلى حيث لا عمل لك. الجميع يكرهونك وتدعى أنك إنسان شريف.

 

المرشد: ماذا أيها الأحمق، أليس من حقى أن أهب نفسى تماما لخدمة بلادى؟

 

الرجل العادل: هل المكيدة الدنيئة تخدم البلاد؟.. واحسرتاه على أثينا التى سقطت فى أيدى السفلة.

 

هذا المقطع الوردة، يهديها لوسن لضحايا المكارثية، ولكل من دافع عنهم.. وبدورنا، نقدمها لطابور عشاق الفجر الجديد، الذين سينتصرون.. حتما.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات