أمل.. (ممنوع) - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 7:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمل.. (ممنوع)

نشر فى : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : السبت 19 نوفمبر 2011 - 8:30 ص

عقب عرض فيلمها «ممنوع»، جاءت مخرجته المصرية أمل رمسيس لتجلس معنا فى مقهى بجوار سينما «بابليون» بالقرب من ميدان روزا لكسمبرج. فتاة منتبهة، ذات عيون مسحوبة من الجانبين، يلتمع فيها بريق الذكاء ممتزجا بالطيبة. أحسست أنى رأيتها من قبل، وما أن بدأت تتحدث، بنبرة هادئة حتى تأكدت أنى عرفتها من قبل. أين ومتى؟ لا أذكر، فكثيرا.. تخوننى ذاكرتى. سألتها: ألم أقابلك سابقا؟ أخبرتنى أنه لم يحدث. تكلمنا جميعا عن فيلمها. طريقتها فى الإصغاء بعمق من يريد الاستيعاب، ودماثة تقبلها للملاحظات، جعلتها تبدو لى، يقينا، أعرفها.. انكشف السر حين ذكرت اسمها كاملا: أمل رمسيس لبيب. ياه، رمسيس لبيب، ذلك الصديق الجميل، رحمه الله، الذى سهرنا معا عدة مرات، مع صديقنا المشترك، الناقد أحمد يوسف. رمسيس لبيب، الإنسان النبيل، الذى عاش حياته مناضلا يساريا صلبا، يقف بقوة مع العدل، إلى جانب المظلومين، كتب العديد من الروايات والقصص، الكثير منها لايزال حاضرا فى ذاكرتى، ومنها قصة ذات رموز شفافة، عنوانها «مدينة المدن والحارس العجوز»، كأنها مكتوبة عن واقعنا، الآن، تدور حول مدينة ممنوع دخولها على كل من له عيون واسعة ترى وأفواه لا تتوقف عن الكلام. وبرغم الحريق الهائل الذى اندلع فى المدينة، فإن السلطات المستبدة تمنع من يريد إطفاءها من الدخول.

 

أدركت أن «أمل» ورثت الكثير من ملامح وجه والدها، وطريقة استماعه، وأسلوب كلامه، والأهم روحه المشبوبة، ذات الطابع النقدى الشجاع، وبدا لى أن فيلمها هو امتداد لكتابات والدها، بل يمكن اعتباره بمثابة التسلل إلى «مدينة المدن» برغم سطوة «الحارس العجوز»، الذى فرض عشرات الممنوعات على أهاليها.

 

«ممنوع»، فيلم تسجيلى طويل، تنزل فيه الكاميرا إلى الشوارع، لترصد، أوجه الممنوعات المتعددة، التى يرد ذكر بعضها فى أغنية الشيخ إمام، الواردة فى فيلم «ممنوع من السفر. ممنوع من الغناء. ممنوع من الكلام. ممنوع من الاشتياق. ممنوع من الاستياء. ممنوع من الابتسام..».. الفيلم، ينهض على ثلاثة محاور: لقاءات مع الناس، عاديين ومثقفين. كلاهما يقول وجهات نظر جديرة بالاحترام، مؤادها، كما تسأل المخرجة التسجيلية عرب لطفى علينا أن نعرف ما هو المسموح به فى مصر؟.. ويستكمل إبراهيم داود ونوارة نجم، وآخرين، مجالات المنع، سواء التصوير فى الشوارع، أو إقامة مسرح أطفال، والأهم «ممنوع رفض إهانة الشرطة للمواطن».

 

أما المحور الثانى فى الفيلم، فإنه يستند إلى مقاطع من مشاهد غنائية، من أفلام روائية مثل «أميرة حبى أنا»، حيث تغنى سعاد حسنى «الدنيا ربيع» وتتبادل القبلات مع تحسين فهمى، و«عودة الابن الضال» ليوسف شاهين، وبالتحديد أغنية «الشارع لنا».. وهذا المحور أضعف محاور الفيلم، يأتى بلا ضرورة زائدة عن الحاجة، بالإضافة إلى كونه من أعمال روائية، تشرخ الإحساس بصدق الفيلم التسجيلى.

 

لعل المحور الثالث هو الأهم، ذلك أنه يعتمد على عين الكاميرا مباشرة، وهى فى «ممنوع» على قدر كبير من نفاذ البصيرة، فمنذ المشاهد الأولى تنتبه إلى كثافة قضبان وكتل الحديد المنتشرة فى شوارع المدينة. الميادين محاطة بسلاسل من فولاذ، ويرتفع، على الرصيف الأوسط فى شارع الأزهر سياج من أسياخ مدببة الحواف، وثمة، على الجوانب، فى معظم الطرق المهمة، تقف عربات الأمن المركزى بضخامتها، ولونها الأسود الداكن، الكئيب، وكأنها تستكمل الإيحاء أن المدينة، أقرب للسجن الكبير وتؤكد أن خيال السلطة، قاصر على استيحاء روح المعتقلات.. ويصل إلى ذروته، حين ننتأمل الكاميرا على نحو يجمع بين الدهشة والانزعاج، تلك البوابة الفظيعة، فى شارع رمسيس عند الميدان، حين يفتحها اثنان من العساكر، فيندفع منها المشاة، كأنهم يهربون من زنزانة.

 

لو أن «ممنوع» اقتصر على هذا المحور، وتخفف من ترهل الزيارة التى لم تستكمل إلى «غزة»، ولو كانت أمل، مع مونتيرها الإسبانى، حذفت، بلا تردد، تلك الحوارات الطويلة، التى تذكرنا ببرامج «التوك شو»، لجاء عملها الجميل، أكثر اكتمالا، وأعمق تأثيرا.. وأخيرا، سمعت أن ثمة متاعب رقابية على عرض الفيلم، فقلت: إذا صح هذا القول، فإنه سيجعل «ممنوع».. أوسع انتشارا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات