سيدنا السيد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيدنا السيد

نشر فى : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : السبت 18 أغسطس 2012 - 9:25 ص

جاء أداء جمال سليمان لشخصية فضلون الدينارى موفقا تماما، فالواضح أن فناننا اللامع، الذى لا يتوقف عن الاجتهاد، المتمتع بوعى سياسى لا يستهان به، أدرك، وبعمق، أنه لا يجسد رجلا من لحم ودم فحسب، بل يعبر عن نظام، وروية، وأسلوب، يرتبط بحياتنا، على نحو أوسع وأشمل من عالم القرية المنسية، فى جنوب البلاد، حيث تنسج العلاقات وتدور الأحداث، ومعظمها إن لم يكن كلها، يؤثر فيها، ويسيطر عليها، صاحب الاسم الغريب، القادم من سطور نجيب محفوظ، فى قصصه القصيرة التى تتحمل أكثر من تأويل «فضلون الدينارى»، صاحب السطوة المطلقة. نفوذه، المادى والروحى، يفوق العمدة، والمأمور ورئىس العصابة، وملاك الأراضى، وإمام المسجد. إنه النظام الأبوى، القائم على التسيد من ناحية، والإذعان من ناحية أخرى، والمعتمد على سلطة فرد، لا يحدها حدود، تجد مجالها، وانتشارها، بين أناس تهيمن عليهم أخلاقيات العبيد.

 

هذه الشخصية العاتية، ظهرت من قبل، فى عدة أعمال فنية، ولكن ظلت حبيسة بعدها الاجتماعى. زكى رستم، فى «صراع فى الوادى» ليوسف شاهين 1945، و«لن أبكى أبدا» لحسن الإمام 1957، و«نهر الحب» لعز الدين ذو الفقار 1958، بدا طاغية، لأنه أصلا، إقطاعى وباشا.. ولأكثر من مرة، يطالعنا محمود مرسى، على الشاشة الكبيرة، فى دور صاحب القوة المفزعة، المرتبطة ــ فى بعد من أبعادها ــ بالمهنة، فهو مأمور السجن الشرس فى «ليل وقضبان» لأشرف فهمى 1973، ورئيس العصابة الشديد القسوة، فى الفيلم المثير للجدل «شىء من الخوف» لحسين كمال 1969.. ثم جسد النظام الأبوى فى المسلسل الشهير «عصفور النار» الذى كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه محمد فاضل منذ ما يزيد على عقدين.

 

النظام الأبوى، إحدى آفات حياتنا، تصل ــ واقعيا ــ إلى أبشع حالاتها فى صورة الرئيس، المحبوب عنوة، العادل ظلما، الحكيم جهلا، المتدين كفراو، الرحيم قسوة.. جمال سليمان، يدخل إلى هذه الشخصية بهدوء. يدرك أنها تتسم برسوخ، صاحبها يجلس باطمئنان على ما يشبه كرسى الحكم، ثقته فى استقرار الأوضاع يستمدها مما يبديه الجميع من ولاء وتوقير، وتعمد كاتب السيناريو النابه، ياسر عبدالرحمن أحمد، تقديم الدينارى، فى البدايات، من خلال كلمات الآخرين التى تفيض بالتبجيل، والتى تنبه الوافد الجديد، الأفندى، مهندس الرى، عبد ربه ــ بأداء متميز من أحمد الفيشاوى ــ إلى ضرورة تقبيل يد سيدنا السيد عندما يلتقيه.. ويتعمد المخرج، إسلام خيرى المهتم بالتفاصيل، رصد تردد عبد ربه، ورفضه الدفين لتقبيل يد الطاغية.

 

«سيدنا السيد»، فى بعد من أبعاده الجوهرية، يتابع العلاقة المعقدة، أو المركبة على الأقل، بين السلطة المطلقة، والمثقف، قارئ توفيق الحكيم ويحيى حقى، فضلون الدينارى، يبدى دفئا كاذبا تجاه عبدربه، فشبح ابتسامة الرضاء لا تفارق وجه جمال سليمان أثناء حضور أحمد الفيشاوى الحائر، المتردد.. وبمرور الأيام، وتدفق الأحداث، مع علاقات تنشأ وتتفرع، تزداد هيمنة الدينارى، إلى الدرجة التى يبدو فيها عبدربه وكأنه أصبح، على نحو ما، تابعا للطاغية.. لكن، واقعيا، على مستوى ما يدور فى بلادنا العربية، وكما يؤكد المسلسل، لا يمكن للأنظمة الأبوية أن تستمر للأبد.

 

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات