قصة ثوانى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصة ثوانى

نشر فى : الخميس 18 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 18 أبريل 2013 - 8:00 ص

فى بيروت، يعرض الآن ثلاثة أفلام لبنانية دفعة واحدة، الأمر الذى يسعد عشاق الفن السابع، فنهوض صناعة السينما فى بلد عربى، يفتح الطريق لنهوضها فى البلدان الآخرى.. عناوين الأفلام: «قصة ثوانى» للارا سابا و«24 ساعة حب»، لليان البستانى، و«بيترويت» لعادل سرحان.. أى أن هناك فيلمين من إخراج نساء، مما يعبر، ويؤكد دور المرأة اللبنانية فى الإبداع، مستكملا مسيرة جوسلين صعب ودانيال عربيد ونادين لبكى وأخريات.. الأهم أن الأفلام الجديدة تجاوزت كوابيس الحرب الأهلية المجنونة والعبثية ذات البعد «الطائفى» ــــ وقانا الله منها ــــ امتدت طوال العقد ونصف العقد، وخلفت أصداءها فى السينما اللبنانية، التسجيلية والروائية.. «قصة ثوانى» ينفض عن نفسه غبار المعارك ويلتفت إلى الحاضر ويحاول بصدق وطموح التوغل فى أحشاء بيروت ورصد أحوال أهاليها، على نحو يضع الفيلم فى خانة «الواقعية»، «الواقعية الخشنة» إن شئت الدقة.

 

بعيدا عن المشاهد السياحية المعهودة فى السينما اللبنانية والمصرية على السواء، حيث التلال الخضراء وشاطئ البحر وأشجار الأرز و صخرة الروشة والفنادق الفاخرة وتتعمد لارا سابا معتمدة على سيناريو مكثف ومركب إلى حد التعقيد كتبته نبال عرقجى، على منوال القصص المتوازية فى فيلم «بابل» للمكسيكى اليخانرو جونزاليس مع الفارق بين الاستاذ الكبير والتلميذة المبتدئة والمجتهدة ــــ الاقتراب من «ناس بيروت» تنتقى ثلاثة نماذج من بيئات مختلفة، تعيش كل منها فى دائرة لا علاقة لها بالأخرين ولكنها تتماس فى ثوان قليلة، مع بعضها بعضا، فتؤثر فيهم تأثيرا عميقا وتغير على نحو ما من مصائرهم: المعلمة الرقيقة، إنديا، القادمة من طبقة ثرية، وجدت فى مهنة تدريس الأطفال، براتب متواضع وتعويضا لشغفها بوليد لا يأتى.. يحسب للفيلم ابتعاده عن كليشيهات الإدانة المبدئية، المطلقة، لكل من يقبع فى قمة الهرم الاجتماعى. إنديا، بأداء موفق من «كارول الحاج»، بنظراتها الحنون، يشرق وجهها بالأمل، حين يخطرها الطبيب أنها حامل.. لكن فى نوبة من حظ عثر يضيع أملها حين يهجم عليها صبى شقى، لخطف حقيبتها فتقع أرضا وتتعرض للإجهاض.

 

«مجرد ثوانى» يبدأ بحادث صدام بين سيارتين إحداهما يقودها رجل متأنق، يلقى حتفه نكتشف لاحقا أنه زوج الرقيقة «إنديا»، وهو فى طريقه ـــــ مسرعا ــــ ليطمئن على زوجته فى المستشفى.. هكذا الكوارث لا تأتى فرادى.. أما السيارة الثانية براكبيها اللذين فارقا الحياة فإنهما والد ووالدة الفتاة الجامعية نور، بأداء متفهم من «غيدا نورى»، التى تجد نفسها بلا مال أو أب فقط جدة لا تفارقها الدموع.. وإزاء متطلبات الحياة ـــ وبتعسف من صانعات الفيلم ــــ تقرر بعد تردد خفيف خلع سروالها!

 

حين تدخل سابا مع مصورها الموهوب، ميكل ليجروى، قاع المدينة يكتسب فيلمها رونقا خاصا فالزحام، والبيوت المتساندة وعربات الباعة المتجاورة، والدكاكين الضيقة والرجال كبار السن والنساء البدينات اللاتى لا علاقة لهن بمانيكانات اللبنانيات، كلها مفردات تمنح «مجرد ثوانى» مذاق الواقع اللاسع.. وها هى المخرجة تدلف إلى بيت ضيق لتصل إلى شقة مكونة من صالة صغيرة يعمها الفوضى، بقايا الطعام وعلب الجعة الفارغة متناثرة، فوق مائدة متربة، وثمة حجرة بها سرير واحد متسخ الفرش.. أجواء تتواءم تماما مع صاحبة المكان، مدمنة الكحول، العاهرة التى تعرضت لقسوة بالغة من صانعات الفيلم اللاتى دفعنها دفعا، كى تدفع أحد زبائنها إلى استخدام إبنها جنسيا.. وهذه كما ترى حالة عصية على التصديق، سواء على مستوى الواقع، أو على الشاشة.

 

الابن، الصبى، مروان، بأداء متميز من علاء حمود، الفائز بجائزة التمثيل فى مهرجان الأفلام المستقلة ببروكسل، هو النموذج الأهم، ذلك أنه مشروع مجرم أو بلطجى أو على الأقل خارج عن القانون، يتابعه الفيلم فى رحلة السقوط عقب هربه من جحيم البيت، إلى بؤرة انحراف، حيث يصبح مدمنا يكاد يموت إثر جرعة زائدة، ويتحول إلى خاطف لحقائب النساء.. وها هو، فى ثانية واحدة، يخطف حقيبة «إنديا» التى تسقط أرضا، وتفقد حملها.

 

«قصة ثوانى»، بصرف النظر عن التعسف هنا والمغالاة هناك، يقدم بانوراما عريضة لمدينة عربية تتطابق فى الكثير من ملامحها مع مدن أخرى فى بلادنا، لا ينتهى نهاية سعيدة كاذبة, كما العديد من أفلامنا، ذلك أنه عمل تحذيرى، تتوافر فيه لغة سينمائية جيدة وبالتالى يستحق الترحيب.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات