المأزق القانوني - امال قرامى - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 5:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المأزق القانوني

نشر فى : الإثنين 18 يناير 2016 - 4:00 م | آخر تحديث : الإثنين 18 يناير 2016 - 4:00 م

يعتبر أهل القانون أنّ أغلب القوانين التي عُرضت على مجلس الشعب خلال سنة 2014 للنظر فيها ثمّ المصادقة عليها كانت مخالفة للدستور. ولئن حاول بعض النواب تعليل هذه التجاوزات بأنّها معبّرة عن نيّة صادقة في التسريع في نسق إصدار التشريعات التي من شأنها أن تصلح قطاعات كثيرة فإنّ الحقيقة التي لا مرية فيها أنّ الإصلاح لا يبنى على خرق الدستور وانتهاك حقوق الإنسان. والغريب في الأمر أنّ عددا كبيرا من نوّاب الشعب هم من أهل القانون. فكيف يصوّت من كان على علم بالخرق الدستوري على التشريعات؟


إنّ أهمّ مأخذ يسجّل على مجلس الشعب هو عدم مبادرته بمراجعة منظومة التشريعات(قانون العقوبات،...) التي تتضارب مع الحريات، ومع ما ورد في الدستور من مبادئ ممّا جعل البعض يستند إلى هذه القوانين المجحفة لتأديب 'العصاة' معتبرا أنّه يطبق القانون. فهل أنّ النواب لا يكترثون بـ"تحنيط" الدستور "الريادي" وبالتضارب الملحوظ بين الدستور وسائر القوانين والذي أدّى إلى انتهاك حقوق الناس؟.


وبالإضافة إلى ذلك يعيب أهل القانون على مجلس الشعب منح الأمنيين صلاحيات واسعة في إطار قانون الإرهاب تأتي على حساب حقوق الإنسان. ويرتكز هؤلاء على بعض الحالات التي انتهكت فيها حقوق أهالي الإرهابيين من خلال المداهمات والعنف اللفظي وأحيانا المادي بدعوى مقاومة الإرهاب.


إنّ حجم الانتقادات الموجّهة إلى نواب مجلس الشعب تزداد يوما بعد آخر :بين فاضح لاستهتار أغلبهم بحضور الجلسات وأداء واجباتهم، ومندّد بحالات الغشّ كالتصويت بدل الغائبين، وتضارب الأقوال وغيرها من الممارسات. وهي انتقادات مشروعة تثبت الرقابة التي تمارسها بعض مكونات المجتمع المدني على مجلس الشعب من جهة، وتعبّر عن احتجاج أهل الاختصاص عن عدم تشريكهم في صياغة التشريعات، وهو أمر مخبر عن عسر تقبّل فكرة التشاركية وتدخّل السياسي والأيديولوجي في التشريعي.

ولا يمكن التغاضي عن عامل آخر مؤثر في إصدار التشريعات الأخيرة وهو سياق الإرهاب وعدم استقرار أمن البلاد فكيف يمكن البناء في ظلّ مناخ شاع فيه الخوف؟. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ عددا من مواد الدستور صيغت هي الأخرى في مناخ اتّسم بالعنف (تجريم التكفير، حريّة الضمير...) ثمّ إلى أي مدى بدت القوانين متناغمة مع ثقافة حقوق الإنسان وإمضاء تونس على المعاهدات والمواثيق الدولية؟
***
يبدو أنّ ملفّ إصلاح التشريعات بات ضروريّا، خاصّة بعد الأحداث الأخيرة الكاشفة عن تعارض بين حريّات ضمنها الدستور وسلبتها التشريعات القديمة. ولكن هل ثمّة إرادة فعليّة لمراجعة دستورية التشريعات الصادرة عن مجلس شعب في حكومة شرعيّة؟ وهل ثمّة تقليد جديد بصدد التبلور يقوم على الاعتذار عن الأخطاء والتقصير؟ وهل أنّ الالتزام بالمواثيق والمعاهدات سيؤخذ بعين الاعتبار أم أنّه سيتم تجاهله في سبيل تحقيق بعض الأهداف السياسية؟

الظاهر أنّ تشريعات تتصل بالميزانية المالية وبالمجال الاقتصادي وببعض المصالح الأخرى تأتي على حساب تشريعات أخرى لازالت تعرّض حياة المواطنين لهدر الكرامة. ولولا يقظة المجتمع المدني والحملات التي تمت بشأن قانون 52 ضدّ تجريم المستهلكين الجدد من الشبان للزطلة (نوع من المخدرات)، وقانون تجريم المثلية 230 وغيرها من القوانين لما تحمّست السلطة لفتح النقاش حول هذه القوانين.


إنّ مرحلة بناء الجمهورية الثانية مرحلة عصيبة لأنّها تتعامل بمنظومتين (تشريعات وطنية أخرى كونية) وبتركتين (الماضي/الحاضر) وببنى ذهنيّة متعدّدة (التركيز على حقوق الفرد واستبدال النصوص الزجرية بالعقوبات البديلة المدنية...) وتتجاور وفق زمنين وهذه الثنائيات المتعارضة تجعل الإصلاح عسيرا لأنّه يظلّ سجين مرجعيات مختلفة وحسابات سياسية تراعي موازين القوى. ولعلّ المهمّ في كلّ هذا الاختبار الذي ستمرّ به الحكومة الحالية برئاسة حزب النداء فهل ستنجح في الدفاع عن مدنية الدولة وهل ستلتزم باحترام المواثيق والمعاهدات وهل ستضع حقوق الفرد في مركز الاهتمام؟

التعليقات