أين ذهب النور؟ - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين ذهب النور؟

نشر فى : السبت 17 أبريل 2010 - 9:37 ص | آخر تحديث : السبت 17 أبريل 2010 - 9:37 ص

 على القناة الأولى، منذ عدة أيام، عرض «يوميات نائب فى الأرياف»، وهو من كلاسيكيات السينما المصرية، أى من الأعمال الذهبية الأصيلة، التى لا تفقد قيمتها بمرور الزمن، بل ربما تثير مزيجا من الدهشة والإعجاب، لا لأنها تذكرنا، على نحو ما بالماضى، ولكن لأنها تنفذ برؤيتها لتضيئ شيئا من الحاضر.. توفيق الحكيم، كتب مذكراته تلك عن الريف المصرى عام 1930، حين عين وكيلا للنيابة فى أحد مراكز الوجه البحرى، وطوال أربع سنوات، تابع، بقلب بارد، وعقل ساخن، حياة الفلاحين المنسيين، فى ظل الفقر والجهل والمرض، وفى عتمة غياب العدل، يعيشون أسرى لموظفين فاسدين خاملين، وفى عام 1937 صدرت الطبعة الأولى من المذكرات التى لاتزال تحقق رواجا حتى الآن، ويعاد طبعها كلما نفدت.


فى عام 1969، تحولت المذكرات إلى فيلم مهم، أخرجه توفيق صالح الذى كتب له السيناريو مع الكاتب المسرحى الكبير، ألفريد فرج، وجاء الفيلم ملتزما برؤية المذكرات وبنائها الفنى، فالراوى، بأداء أحمد عبدالحليم، هو الذى يحكى الأحداث ويقدم الشخصيات، يصف ويحلل، لكنه لا يعلم الكثير من الأمور، ويفشل فى فك طلاسم مقتل «قمر الدولة علوان»، ولا يعرف كيف ولماذا ومتى غرقت «ريم»، الجميلة الرقيقة، ذات الطلعة المترعة بالبهاء، التى حركت غرائز المأمور النهم بأداء ممتع من توفيق الدقن، وذهبت بعقل الشيخ عصفور الهائم على وجهه، يتغنى بها شعرا.. كما أنها أثارت تأملات الراوى، وكيل النيابة، الذى رأى فيها رمزا للحقيقة الغامضة، المراوغة.

تزوير الانتخابات، فى «يوميات نائب فى الأرياف» أهم من حياة الفلاحين، فالجرائم، عادة، تقيد ضد مجهول، وسيف العدالة لا يسلط إلا على التعساء، وفى نهاية تعتبر من أقوى مشاهد الفيلم، تنتشل جثة ريم من الترعة، توضع فوق أحد صناديق الانتخابات التى ألقى بها فى قاع الترعة، وثمة صناديق أخرى، تبدو كما لو أنها صناديق موتى. نهاية لها أكثر من دلالة.


اعتمد توفيق صالح على الأبيض والأسود، النور والظل، واستخدم درجات الإضاءة استخداما فنيا برز من خلاله العديد من المعانى. أحمد عبدالحليم، فى مسكنه، يرتدى جلبابا أبيض وضوء لمبة الجاز تسطع على وجهه، لكن الحجرة كلها غارقة فى الظلام، ووجه «راوية عاشور» التى اختفت مع رحيل «ريم»، يشع بالضياء ليلا.. لكن، حين عرض الفيلم أخيرا، على قناتنا الأولى، أصبح من فرط إهماله، رماديا وأسود، فجلباب أحمد عبدالحليم يبدو كما لو أن الغبار الكثيف تراكم عليه، وملامح وجه ريم ضاعت فى الظلام، والأخطر أن العتمة زحفت على صندوق الانتخابات التى وضعت فوقه جثة ريم فاختفى تماما، وبالتالى ضاع المعنى المقصود.





كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات