فؤاد الجزايرلى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فؤاد الجزايرلى

نشر فى : الأحد 18 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 مارس 2012 - 8:00 ص

عرفته، فى العقد الأخير من حياته «1910 ــ 1979»: جسم نحيل، رشيق، مرن، كأنه مدرب ملاكمة من الوزن الخفيف، أو من قدامى أبطال ألعاب القوى. صاحب وجه تلتمع فيه عيون منتبهة، راصدة، يمتزج فيها الشقاوة مع المحبة. شاربه الكثيف يغلب عليه اللون الفضى، شأنه شأن شعر رأسه، مما يمنحه نوعا من المهابة، تتحول إلى ألفة حين يروى ذكرياته، وما أغناها. تدور حول المسرح حيث ولد أثناء أحد العروض التى تقدمها فرقة والده «فوزى الجزايرلى». عاش حياته كلها، ما بين خشبات المسارح واستوديوهات السينما وبلاتوهات التليفزيون.. لم تكن لقاءاتنا عابرة، أو لعدة ساعات، ذلك أنها كانت تمتد لعدة أيام، حين نذهب إلى المحافظات، لتحكيم مسابقات فنية، تنظمها وزارة الشباب.. لجان التحكيم، آنذاك، جمعت إلى جانب فؤاد الجزايرلى، عددا من الكبار، مثل مبدع الألحان العذبة، الشرقية بامتياز، أحمد صدقى، والمؤرخ الموسيقى المرهف، محمود كامل والناقد النزيه، فؤاد دوارة.. يضاف لهم من كانوا شبابا، فى ذلك الزمان: على أبوشادى، حسن عطية، والعبدلله.. فى كل رحلة عمل، نقرر تسجيل ذكريات الرجل، لكن تأخذنا نشوة أحاديثه بعيدا، فنؤجل إلى لقاء آخر. كنا نظن أننا نملك الزمن، لكن أدركنا، بعد فوات الأوان، أن الزمن هو الذى يملكنا، ولا يمهلنا طويلا، ورحل الفنان قبل أن ننفذ قرارنا المؤجل.

 

فؤاد الجزايرلى، كاتب سيناريوهات، أخرج أربعة عشر فيلما، والكثير من المسرحيات الاستعراضية. عمل مع على الكسار ويوسف وهبى ونجيب الريحانى.. وهو حكاء من طراز رفيع، ينقل لك رائحة الألوان، وملمس الغبار وصوت الأحاسيس. فى تصرفاته تتجلى خبرة الحياة. حدث فى إحدى المرات، أثناء زيارتنا إلى إحدى محافظات الجنوب، أنه بدا متكدرا. تضاعف كدره بذلك الاستقبال الفاتر لسكرتير المحافظة السخيف، الذى أهملنا متظاهرا بانشغاله الشديد. وبعد نصف ساعة من تجاهلنا، قام الجزايرلى من جانبنا، فى نهاية القاعة، متوجها، بخطوات عسكرية. وقف «انتباه» أمام المكتب. رفع يده فى تعظيم سلام، مما أربك السكرتير، وبابتسامة تحمل أكثر من معنى، ركز نظره فى عينى المغرور وطلب منه أن يأمر بإحضار كوب من الماء، لأن القيظ لا يحتمل، فوقع الرجل فى حرج بالغ.. فى المساء، حين جلسنا فى شرفة تطل على النيل، أخذ يفسر سبب الكدر الذى اعتراه منذ بداية الرحلة، فروى هذه الوقائع الأقرب لفيلم سينمائى فريد من نوعه. قال: حين كنت صبيا، صاحبت فرقة والدى الجوالة، التى تسافر، كاملة، بأبطالها، ديكوراتها، ملابسها، من مديرية لأخرى. وسيلة الانتقال، مركب شراعى كبير. يتعمد رجال الفرقة ارتداء زى العساكر والإمساك بالبنادق الخشبية، إرهابا لقراصنة النيل.. محافظة تلو أخرى وصلت الفرقة إلى ذات المديرية، التى نحن فيها الآن. اقيم الشادر على ضفة النهر، وأرسلت دفاتر التذاكر إلى سكرتير المديرية الذى طالب بالمزيد، والذى فيما يبدو ــ أجبر العمد على شراء التذاكر، بدليل حضور جماهير كثيفة. فى الصباح، طلب فوزى الجزايرلى بثمن التذاكر. أخطره سكرتير السكرتير أن النقود ستصله، كاملة، غدا وفى اليوم الثالث والأخير، لاحظ الصبى أن «غرزة» اقيمت بالقرب من الشادر. وقبل بدء العرض ووصول مدير المديرية، والمأمور، داهم المخبرون الغرزة. قبضوا على المتعاطين ومن بينهم بعض أفراد الفرقة التى وقع صاحبها فى «حيص بيص». بدت المؤامرة واضحة، لقد تعمد السكرتير زرع هذه الغرزة وهو يعلم مسار الأمور، فبعد مفاوضات مجحفة، تم الاتفاق على عدم تجريس الفرقة، فى مقابل أن تغادر، بملابس العرض، فور الانتهاء منه، مع عدم الحديث عن النقود.. وفعلا، نفذ المطلوب، وتابع الصبى، مسيرة أعضاء الفرقة، نحو المركب، بمن فيهم والده، بعباءة «عطيل»، ومعه جنوده، وحراس القصر.. ولكن ما عصر قلبه، منظر شقيقته الكبيرة، البدينة، إحسان الجزايرلى، بقميص النوم وخشب «السقالة» المؤدية للمركب يئن تحتها، وهى تمسح عيونها وأنفها بمنديل ديزدمونة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات