هوجو.. مصريًا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 4:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوجو.. مصريًا

نشر فى : الخميس 17 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 17 يناير 2013 - 8:00 ص

فيكتور هوجو «1802 ــ 1885»، تجاوز أسوار الزمان والمكان. لا يزال حاضرا، حتى يومنا هذا.. كتاباته، بطاقتها الروحية الهائلة، وهى ترنو للعدل والحرية والرحمة، لمست أفئدة الناس، جيلا بعد جيل، داخل وخارج فرنسا.. فى مصر، إلى جانب ترجماته المتوالية، كتب عنه كبار نقادنا، صفحات مشرقة من التقدير الرفيع، وكما أمدت أعماله مسارح وشاشات العالم، برؤى تفيض بالضياء، كان لمصر نصيب منها، فمنذ جسَّد يوسف وهبى «أحدب نوتردام»، فى الثلاثينيات، لم يتوقف المسرح المصرى، عن إعادة تقديمها. وإذا كانت «أحدب نوتردام» لم تجد لها مكانا مباشرا على شاشة السينما المصرية، فإن بطلها المعذب «كوزايمودو»، بما جبل عليه من جمال إنسانى يتناقض مع مظهره الخارجى الدميم، تسلل إلى أكثر من عمل: فيلم «الأحدب» لحسن حلمى 1946، الذى كتبه وقام ببطولته محمود إسماعيل، نقل «كوازيمودو» إلى بيئة مصرية.. إنه هنا «فؤاد» ــ خذ بالك من معنى اسمه ــ الأديب الذى يبشر بالمثل العليا، والذى اعتزل الحياة وابتعد عن الناس بسبب هيئته المشوهة. يخفق قلبه بالحب تجاه «وداد» ــ سامية جمال ــ نظيرة الغجرية الفاتنة، الطيبة «أزميرالدا» فى الرواية. هى تشفق عليه، بينما عواطفها تتجه نحو شقيقه «جميل» ــ محسن سرحان ــ «الأحدب»، بإحساسه اليقظ، يدرك أن أميرته تحنو عليه فقط، فينسحب، بنبل، إلى عالمه، تاركا السعادة إلى الآخرين.

 

على نحو ما، استوحى صلاح منصور فى «مع الذكريات» لسعد عرفة 1961، شيئا من «كوزايمودو»، سواء فى مشيته الوئيدة، أو دمامة الوجه، أو ظهره المحدودب، فضلا عن قلبه المفعم بالمحبة تجاه النجم السينمائى الذى يعطف عليه «شريف» ــ أحمد مظهر ــ والذى لا ينزعج من منظره الوحشى.. صلاح منصور، فى دوره الثانوى، كعامل غلبان فى الاستوديو، كما الحال بالنسبة لـ«كوازيمودو»، الخادمم فى كاتدرائية نوتردام، محل استهجان الجميع، وبالتالى يندفع فى تقديره لمن يبتسم فى وجهه، إلى الإقدام على ما يشبه الجريمة، بهدف حماية «شريف» من الاقتران بامرأة خائنة.

 

على طريقة الفاتنة مورين أوهارا، فى أقوى مشاهد «أحدب نوتردام» لوليم ديتريل 1939، حين قدمت الماء للمضطهد «كوازيمودو» ــ تشارلز لوتون» ــ المكبل اليدين، فى باحة نوتردام. تعبر نعيمة عاكف فى «مدرسة البنات» لكامل التلمسانى 1955، عن هذا الموقف، فى واحد من أجمل استعراضاتها وأعمقها تأثيرا. أما «البؤساء»، إحدى إبداعات القرن التاسع عشر، فإنها ستظل نابضة بالحياة، تنهض دائما، وتتجدد دائما، طالما فى عالمنا من يدهسه الظلم، ويعانى من جوع الفقر وقسوة المرض وبؤس الجهل.. هذه الرواية الملحمية العظيمة، حققتها السينما المصرية مرتين. الأولى من إخراج رائد الواقعية، كمال سليم 1943، والثانية من إخراج المتمتع بنزعة رقيقة، عاطف سالم 1978.. الفيلمان، على قدر كبير من الجودة، يتسمان بطابعهما المصرى فضلا عن قبس من روح هوجو المتأججة بالغضب ضد الإجحاف ــ وما أشده فى بلادنا ــ كما كان الحال فى فرنسا إبان كتابة الرواية.. وإذا كان عباس فارس، الذى جسد شخصية «جان فالجان»، فى نسخته المصرية، بدا طبيعيا تماما شأن فريد شوقى، فى ذات الدور لاحقا، حيث ابتعد عن المبالغات، فإن اللافت فى الفيلمين، تلك البراعة التى توافرت فى أداء المعادل المصرى لدور الضابط «جافيز»، غريم جان فالجان، سواء بالنسبة لسراج منير فى الفيلم الأول، وعادل أدهم فى الفيلم الثانى.

 

فيكتور هوجو، المتعاطف مع الثورة، الشاعر، رجل السلطة أىضا، رسم شخصية «جافيز» بخبرة ودقة، يمتزج عنده القانون بالثأر الشخصى، شديد الإخلاص لمهنته، لا يدرك أن القانون ليس بالضرورة هو العدالة، فهنا، يساق اللص «جام فالجان» إلى السجن لأنه سرق رغيفا، وتتضاعف عقوبته بدافع من إحساس بالغبن.. وحتى بعد إطلاق سراحه، عليه الخضوع للرقابة، ويصبح على «جافيز» مطاردة المتمرد على الرقابة. سراج منير، ببنيانه الضخم وصوته القوى الحازم، ونظراته النافذة، يجسد سطوة قانون لا يعرف الرحمة.. وعادل أدهم، النمر، بهدوئه الذى يخفى وحشية قد تنطلق فى أى لحظة.. وبينما تحاشى كمال سليم عام 1943 التعرض للثورة أو لمظاهرات ضد النظام، كما ورد فى الرواية التى تتحدث عن الثورة الفرنسية الفاشلة ضد الملك لويس فيليب عام 1832، فإن كاتب سيناريو فيلم عاطف سالم، رفيق الصبان، أنجز حلا موفقا حين أشار إلى انتفاضة الطلبة والعمال ضد النظام والاحتلال البريطانى فى الأربعينيات، الأمر الذى أتاح فرصة استكمال شخصية ضابط الشرطة، عادل أدهم، كمخلب شرس للسلطة.

 

صرخة الاحتجاج التى أطلقها هوجو منذ أواسط القرن التاسع عشر، تردد صداها، عندنا، وفى كل ربوع الدنيا، ولا يزال قويا، صادقا، مؤثرا، يأتينا أخيرا، برونق إبداعى شامخ، من السينما الأمريكية، فى أحدث أفلامها.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات