غيبوبة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 1:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غيبوبة

نشر فى : السبت 16 أكتوبر 2010 - 10:30 ص | آخر تحديث : السبت 16 أكتوبر 2010 - 10:30 ص

  كبار كتاب السيناريو، فى العالم وعندنا، يلفتون نظر تلاميذهم إلى ضرورة قراءة صفحات الحوادث، فى الجرائد والمجلات، فالجريمة من الممكن أن تكشف بجلاء عن طبائع بشرية، وتبين بوضوح مشاكل مجتمع، وتجسد، من دون مواراة، المناخ الفكرى والنفسى السائد فى لحظة ما، خاصة إذا كانت الجرائم، جوهريا، متشابهة، وإن اختلفت فى التفاصيل.. فقط على الكاتب أن يكون ملما بفن كتابة السيناريو وهى مسألة سهلة، متوفرة فى عشرات الكتب، لكن الأهم، والأصعب، هى قدرته على التفسير والتحليل ومد الخيوط لنهاياتها.. هذا الكلام له عدة أسباب، أو عدة جرائم، تعبر عن حالة ذهنية يمر بها العقل المصرى، تستحق الدراسة والتأمل، وعلى رأس هذه الجرائم التى تدخل فى باب «التراجيكوميدى»، أى التى تجمع بين الملهاة والمأساة، تقول وقائعها إن طبيب التخدير «.....» ــ أوردت الصحف اسمه واسم المستشفى الذى يعمل به ــ وقع فى قبضة نصاب نيجيرى، أوهمة أن لديه عدة ملايين من الدولارات، صبغها باللون الأسود كى يتمكن من إدخالها للمحروسة، وهو يحتاج لعدة عشرات من آلاف الجنيهات، لشراء مواد كيميائية، يمسح بها الطلاء الأسود، فتغدو الدولارات خضراء كما كانت، وتصبح قابلة للتداول.. بلع الطبيب الطعم، دفع المبلغ المطلوب، وفيما يبدو أن النصاب استساغ مذاق نقود الطبيب فأخطره أن كمية المواد الكيميائية لا تكفى، وطلب منه المزيد من المال.. أخيرا، قام الطبيب بإبلاغ اللواء فلان الذى أمر بضبط وإحضار النصاب، بعد موافقة النيابة طبعا.

صورة النصاب التى نشرتها إحدى الصحف مثيرة للإعجاب والحنق، فهو متأنق، يضع نظارة طبية على عينية، ألوان ملابسه متناغمة، قميصه بخطوط طولية، رابطة عنقه مزركشة، جاكته من النوع الغالى، ابتسامته محايدة ومحترمة، أى أن مظهره الطيب يتناقض مع مخبره الجدير بالغضب الشديد. لكن الأهم هو الطبيب، الضحية، الذى لم نر صورته، ولا نريد أن نراها، فقط نريد أن نعرف وندرك، كيف ولماذا وما معنى أن يستسلم طبيب تخدير إلى «بنج» نصاب وينساق له على هذا النوع، ما الذى تعلمه فى دراسته الثانوية والجامعية، وأى مجتمع هذا الذى يفرز مثل تلك الضحية بدورها فى الجريمة التى تدينها أكثر مما تدين النصاب؟.

هذا الحادث ليس فريدا فى نوعه، فالصحف عادة تحدثنا عن بعض الإخوة الأفارقة، نجحوا فى إقناع مصريين بإمكانية تحويل الأوراق البيضاء أو السوداء، عن طريق السحر، إلى دولارات خضراء.. النصابون المصريون أيضا دخلوا الميدان، لكن عن طريق إقناع البعض بوجود مقبرة فرعونية تحت هذا البيت أو ذاك.. هكذا، كما لو أن جنون الثراء، بأى وسيلة، ذهب بجزء من عقل المجتمع.

إذا كان طبيب التخدير هذا حاله، فإنه من المنطقى أن يتوجه مئات المرضى إلى مشعوذة فى «كرداسة» تزعم أنها، بالسحر، تعالج كل الأمراض، وأن يتخوف فريقنا القومى من أعمال السحر الذى قد يؤدى إلى هزيمته فى مباراته مع فريق منافس فى النيجر.. هذه الوقائع، وغيرها، مادة نموذجية لسيناريوهات تفضح غيبوبة المجتمع، وشراهته.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات