جونتر جراس - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جونتر جراس

نشر فى : الثلاثاء 16 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 16 أبريل 2013 - 8:00 ص

مجرد قصيدة، أدت إلى فزع إسرائيلى التى اهتزت، وفقدت أعصابها، وأخذت تطلق تهديدات وشتائم واتهامات. وزير الداخلية أصدر قرارا بحظر دخول الشاعر إلى البلاد، ونتنياهو نفسه، وصف الكاتب بأنه «فقد القدرة الأخلاقية المحكم فى الأمور». وامتدت الهجائيات إلى الصحف الإسرائيلية التى أعادت، كعادتها، الحديث عن «الهيلوكست»، ومحارق اليهود، وجريمة العداء للسامية، ووجدت الحملة من يؤازرها فى الدوائر الصهيونية بألمانيا التى طالبت بوضع الشاعر فى «مركز تأهيل تاريخى».

 

هياج إسرائيل، يرجع لعدة دوافع، لعل أهمها هو حجم كاتب القصيدة: جونتر جراس «84 عاما»، الروائى الكبير، الحاصل على الكثير من الجوائز العالمية، وعلى رأسها «نوبل 1999»، عن مجمل أعماله، خاصة روايته الشهيرة «الطبلة»، ذات الطابع الغرائبى المثير، التى تحولت إلى فيلم سينمائى حقيقى فولكر شلوندورف، وفاز بالجائزة الكبرى لمهرجان كان 1979، وعرض فى مراكز ثقافية داخل مصر، وأثار ــ أيامها ــ مناقشات مهمة، بين النقاد المصريين، بسبب رصد الفيلم، معتمدا على الرواية، لطبيعة الشخصية النازية المعادية للإنسان، وتعرض اليهود للاضطهاد.. وتجدر الإشارة إلى الدراسة المتميزة التى كتبها الناقد الكبير سمير فريد، عن الفيلم والرواية، والمنشورة فى كتابه «أدباء العالم والسينما»، من مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة.

 

جونتر جراس، متعدد المواهب، الرسام، النحات، المسرحى، المعلق السياسى، الروائى، صاحب تجربة عريضة فى الحياة، اشتغل فى مهن شتى، وانخرط، مثل معظم الألمان، فى «أشبال هتلر» و«شبيبة هتلر»، وشارك فى الحرب، وجرح وأسرته القوات الأمريكية. القريبون منه يصفونه بأنه متوحد، متأمل، يتجنب العالم الخارجى.. وهو يرى أن القرن العشرين، وما تلاه، يستحق أن يوصف بـ«عصر التهجير»، فإلى جانب جريمة تهجير الأرمن، ثمة تهجير اليهود والفلسطينين والباكستانيين والبنجلاديشيين، وغيرهم، الأمر الذى يجعل كل من يصمت عن هذا الظلم، متواطئا، ومذنبا.

 

موقف جونتر جراس المسئول، النبيل، كان لابد، بالضرورة، أن يغضب إسرائيل، ليس بسبب هذه القصيدة فحسب، بل بسبب بيع بلاده لغواصات، حاملة لصواريخ نووية لإسرائيل، وهو فى هذا يعتبر ألمانيا بمثابة «الوعاء النتن». وفى ديوانه «ذبابة مايو» الذى صدر مؤخرا، يشيد فى قصيدة «بطل من أيامنا» بالخبير الإسرائيلى، مردخاى مغنونو، الذى فضح البرنامج النووى لبلاده، والذى قضى «18 عاما» فى السجن، ومنع من مغادرة الحدود.

 

مغنونو، علق على القصيدة التى وصفته بـ«النموذج الذى يحتذى» بأنه سعيد بانضمامه إلى جونتر جراس، وتمنى أن يطبق عليه القرار الصادر ضد جراس باعتباره شخصا غير مرغوب فيه بالبلاد.

 

أما عن القصيدة التى أثارت الزوبعة الأخيرة، فإنها بعنوان «ما ينبغى أن يقال»، وهى ذات مغزى سياسى واضح، فيها من التنديد بمقولات إسرائيل الشىء الكثير، ولا تخلو من نقد الذات، وتتضمن تحذيرات من احتمال اندلاع حرب عالمية إذا أقدمت الدولة العبرية على ضرب إيران بصواريخها النووية، ؟فعنده أن «المقهور المتنمر» يزعم أن له الحق فى توجيه الضربة الأولى، ذلك أن «الخوف يأخذ مكان الدليل».. ويدرك جراس أن «بلدى مرهون لعار لا يمكن التسامح فيه» إلا أن هذا لا يخول له «الصمت» وتحاشى مواجهة إسرائيل، وإلا سيكون، مع بلده، وكل من لم يعلن الحقيقة، مساهما «فى جريمة متوقعة».. ولا يفوت جراس أن يشير إلى أنه وقد أصبح «كبيرا فى السن»، فإنه يقول، «بآخر قطرة حبر: إن القوة النووية، إسرائيل، خطر على السلام العالمى، الهش بطبيعته».

 

«أوسكار»، اسم بطل «الطبلة» أو «الطبلة الصفيح»، توقف نموه، منذ كان طفلا، ضعيفا هشا، ولكنه أوتى قوة خارقة فى صوت صرخته التى يحتج بها على عالم الغدر الوحشى والخيانة الجبانة إبان صعود وتسيد النازية.. صوت الصرخة، مع إيقاع الطبلة، يحطم زجاج النظارات واللمات والنوافذ، ويسبب ذعرا وهلعا.. وتماما، مثل صوت صرخة «أوسكار»، يأتى صوت صرخة جونتر جراس، فى قصيدته المثيرة، المتمردة، الكاشفة، الواضحة، كما لو أنها صرخة فى وادٍ.. تذهب بشىء من الأوتاد.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات