مادة دين - يوسف زيدان - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 8:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مادة دين

نشر فى : الأحد 15 مارس 2009 - 7:34 م | آخر تحديث : الأحد 15 مارس 2009 - 7:34 م

 حين كنا صغارا بالمدرسة الابتدائية، كانت حصة التربية الدينية تسمى فيما بيننا (مادة دين) وكانت حصة لطيفة، يجلس خلالها مدرس العربى، أى مادة اللغة العربية، الذين كان فى معظم المدارس هو المسئول عن تدريس (الدين) للأطفال.. يجلس المدرس يتصفح هانئا جريدة الجمهورية التى كانت تعمم على المدارس، وكأنها الجريدة المباركة الرسمية، للثورة المباركة الرسمية (كان ذلك أواخر الستينيات) وكنا خلال الحصة نتمسك بالكتاب المقرر، وكأننا نحفظ الآيات القرآنية المقررة علينا بحسب التصنيف المدرسى الشهير الشائع فى تلك الأيام: حفظ، قراءة.. لم نكن فى واقع الحال نحفظ أو نقرأ، وإنما نتهامس فيما بيننا من خلف جريدة المدرس المفتوحة على مصراعيها الهائلين، فإذا علا صوتنا، دق المدرس بعصاه على «السبورة» فعاد الصمت من فوره لسماء (الفصل) وظل المدرس مخبئا وجهه، خلف جريدة الجمهورية المفتوحة.

فى ابتداء تلك (الحصص) كانوا ينادون بعضا من الصبيان والصبايا، ويأخذونهم إلى مكان مجهول غامض، ثم يعودون بهم، بعد جرس الانتهاء من حصة (الدين) لنكمل معا، كلنا، بقية الحصص.. ذات يوم تجرأت، وقطعت على المدرس خلوته الهانئة مع الصحيفة، بأن وقفت أمامه حتى انتبه إلى وهو يقلب الصفحات الكبيرة. نظر نحوى مستغربا وقفتى، ومتذمرا من قطع خلوته، فجرى الحوار التالى، الذى ما زلت أذكره إلى اليوم:
ــ يا أستاذ، الأولاد والبنات راحوا فين؟
ــ وانت مالك؟
ــ عاوز أعرف بيروحوا فين كل مرة؟
ــ بيروحوا مطرح ما يروحوا.
ــ لو سمحت يا أستاذ، قل لى.
ــ دول مسيحيين، بياخدوا الدين بتاعهم فى حتة تانية.
ــ ممكن مرة أروح معاهم؟
ــ لأ، أنت مسلم، الدين بتاعك هنا.

كانوا قديما يقولون قولا مأثورا، نصه (الناس أعداء ما جهلوا) أى أن المجهول دوما مخيف، غير محبوب! فلماذا كانوا فى الماضى يعزلوننا من أجل (الدين) ولماذا لا يزالون يعزلون تلامذة المدارس عن بعضهم فى حصة الدين.. فيصير أول ملمح يتم إدراكه عن الدين، فى عقول الصغار، هو العزل.

حصة الدين تعزل الصغار، وتكرس الاختلاف الذى يتأكد بعد ذلك بجهل كل طرف بالآخر (صار الأمر: أنا / آخر، نحن/ هم، مسلمون/ مسيحيون) ويوما من بعد يوم، يتعمق الأمر فيصير العزل جهلا، ثم يصير الجهل خوفا، ثم يصير الخوف عداوة، ثم تصير العداوة عنفا.

ألا يمكن، بدلا من هذا المنهج العقيم، أن تكون حصة الدين جامعة! فيعرف هؤلاء عن أولئك، ويدرك أولئك أنهم لا يختلفون كثيرا عن هؤلاء.. معظم (الدين) مشترك بين اليهودية، والمسيحية، والإسلام، فماذا لو صار هذا (المشترك) هو المقرر الدراسى العام لمادة الدين، فنتلقاها معاً أجمعين.. ويومها سنعرف أننا لسنا بقدر ما نظن، مختلفين.

يوسف زيدان كاتب وروائي مصري
التعليقات