الحياة السرية لوالتر ميتى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 8:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحياة السرية لوالتر ميتى

نشر فى : السبت 15 فبراير 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : السبت 15 فبراير 2014 - 9:10 ص

الكوميديان الأمريكى، بن ستيلر، صاحب الجسم النحيل، بوجهه الواضح المعالم، المتوتر غالبا، ونظراته التى تلتمع فيها درجات متفاوتة من الخفة، تصل أحيانا إلى حد الذعر.. حقق نجاحه بفضل الملامح الشخصية التى دأب على الظهور بها. المواطن الذى يكاد يعيش مع نفسه وحيدا. طيب القلب، سىء الحظ، المتورط غالبا مع أناس أقوى منه، معنويا وماديا ونفوذا. لعلك تذكر «قابل والدى» لجاى روتش، حين ذهب لمقابلة والد حبيبته، روبرت دى نيرو، المتقاعد توا من عمله فى مكتب الاستخبارات المركزية، المتشكك فى نوايا وقدرات ستيلر، الغلبان الضعيف، الذى لا يقوى على مواجهة بأس ومناورات ومؤامرات، خريج مؤسسة الاستخبارات الطاغية.

فى «ليلة فى المتحف» لشون ليفى، يواجه ستيلر، المرعوب، دبيب الحياة فى الكائنات المحنطة، مثل الديناصور والقرد، بالإضافة لمحاربين من أزمان غابرة.. وأيا كانت رزمية هذه الكائنات، بطابعها الوحشى فإن المهم أن بطلنا، الكوميديان الوديع، يجد نفسه فى آتون صراع أكبر من طاقته. إنه أقرب للفأر «جيرى»، الهارب من القط «توم».. وهو، فى أحد جوانبه، يشبه سيد الكوميديا، شارلى شابلن، الذى عليه منازلة قوى عاتية.

يطالعنا ستيلر، فى فيلمه الجديد، بذات الخصائص المعهودة، مركزا على شىء من السلبية، وربما الخوف، والتردد، والميل للإنسحاب من الحياة، وتعويضا عن هذا الوضع وتلك الحالة، يلجأ لا شعوريا، إلى أحلام يقظة. يسترسل فى خيالات يقوم فيها بأدوار بطولة يفتقدها فى الواقع.. الفيلم، يعتمد على قصة كتبها الأمريكى جيمس ثيربر «1894 ــ 1961» ونشرها عام 1939، وتحولت إلى الشاشة الفضية عام 1947 بإخراج نورمال ماكلويد، وبطولة دانى كى وويتر فورد.. وفيما يبدو أن القصة، بطابعها الفكاهى، النفسانى، وربما النسخة الأولى من الفيلم، من الأمور التى أغرت ستيلر على القيام ببطولتها، والمشاركة فى الإنتاج، فضلا عن الإخراج، وهنا ــ فى تقديرى ــ تكمن مشكلة العمل، والتى من الممكن رصدها فى الكثير من الأفلام، حين يكون الممثل هو المنتج، ويسند الإخراج لنفسه.

يبدأ «الحياة السرية».. بداية قوية: والتر ميتى، الموظف الملتزم، المؤدب، فى مجلة «لايف»، الخجول تجاه زميلته التى يخفق قلبه بحبها، والمتردد، تجاه أحد المديرين المفوضين لتسريح العاملين قبل إغلاق المجلة.. «ميتى»، لا يستطيع الإعلان عن مشاعره، ولا يقوى على مواجهة المدير السخيف، صاحب اللحية السوداء الكثيفة، السمجة، حتى عندما يتعامل باستعلاء وغلظة.. خيالات «ميتى» تنطلق فى مشاهد هى أقوى وأجمل مشاهد الفيلم.. يشتبك معه فى معركة حياة أو موت، داخل المؤسسة، وفى الشارع، بين سيارات تكاد تصدمهما، ثم بالقرب من نافذة، يسقطان منها. يتهاويان، وبينما المدير، ثقيل بإتقان، المستفيد من ارتفاع العمارات وزحام الطريق، أنها تستدرج المشاهد الذى لا يفيق إلا مع «ميتى»، بعد انتقامه الوهمى.

فيما بعد، لن يظهر المدير المتسلط سوى مرتين، أو ثلاث مرات على الأكثر، كذلك الحال بالنسبة لبقية شخصيات الفيلم، بما فى ذلك زميلته الحبيبة، ذات الأحاسيس الباردة تجاهه، والتى لن نعرف عنها شيئا.. ويمتد هذا الإهمال ليشمل والدته، وشقيقته، اللتين لن نراهما إلا فى موقف واحد، عميق ومؤثر، عقب بيع «بيانو» الأسرة، الذى يحمل ذكريات غالية. وها هى الأم تحتضن ابنها الذى يكاد يبكى، وتنضم شقيقته لهما، وتحتضنه هو ووالدتهما.. الشقيقة والأم تختفيان تماما، شأنهما شأن بقية الآخرين.. هنا، يبدو بوضوح، الدور السلبى للمخرج حين يحابى نفسه، ويستأثر بمجمل مواقف ومشاهد الفيلم، فلا تكاد لقطة يغيب عنها، فالكل، يمر عليه مرورا عابرا.. وبالتالى، يبدو الفيلم كما لو أنه يروج، دعائيا، للممثل، بن ستيلر، وهو يواجه سمكة قرش فى البحر، أو يهرب من نشاط بركانى مفاجئ فى أيسلندا، أو ينقذ نفسه فى طائرة يقودها سكير فاقد التركيز.

«والتر ميتى» عليه البحث عن الرجل الذى صور اللقطة الفوتوغرافية التى ستوضع على غلاف آخر عدد من مجلة «لايف»، ويسافر «ميتى» من بلد لآخر، وفى أيسلندا، الثرية بالمناظر الطبيعية الخلابة، حيث الشلالات والرمال السوداء والبراكين والأنهار الجليدية، تتسكع الكاميرا على نحو يتجاوز الملل ويصل إلى حد الضجر. وبالضرورة، يأتى الفيلم مخيبا للآمال.. والتوقعات، مؤكدا، خطورة أن يسند النجم، المنتج، الإخراج.. لنفسه.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات