الخطوبة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخطوبة

نشر فى : السبت 14 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 14 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

هى واحدة من أجمل محطات الحياة. مفترق طرق. وداع مرحلة واستقبال أخرى. فترة، قد لا تخلو من قلق، لكنها تترقرق بالأمانى والأشواق والوعود. إنها الذكرى المنعشة فيما سيأتى من أيام.. عنها، وحولها، انسابت عشرات الأغانى، وربما جاءت فنانتنا، شادية، ذات الصوت العذب، الناعم، المشبع بحيوية الشباب، فى مقدمة من عبر عن بهجة المناسبة: «الليلة تمت خطبتى»، «خطابك كتير وقالولى»، والزرق، الأوسع شهرة «يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا» التى رددتها فى «أنا وحبيبى» لكامل التلمسانى 1953، من ألحان منير مراد، وكلمات جليل البندارى، حاملة معها قدرا كبيرا من المعانى الجميلة «يا صورة فى الخيال ما تغبش عننا.. بداية الآمال وعز فرحنا».

كاتبان روسيان مجيدان، كانت الخطوبة مادة لعملين لهما، لا يزالان ينبضان بالحياة على خشبات المسارح: نيكولاى جوجول «1809 ــ 1852»، مؤلف «الخطوبة. عمل لا يصدق»، التى تدور حول رجل قانون، عازف عن الزواج، يضطر إلى التقدم للخطوبة تحت تأثير صديقه.. وأنطون تشيكوف «1860 ـ 1904»، صاحب «الخطوب»، تميمة نجاح طلبة المعاهد الفنية، تتعرض بالسخرية لأنانية وغرور البرجوازيين، خلال منازعات حوارية مندلفة بين خطيب وخطيبة.

فى مصر، اختار الروائى الكبير، بهاء طاهر، قصة «الخطوبة» عنوانا لأول مجموعة قصصية تصدر له عام 1972، وهى قصة متعددة الدلالات. بطلها، الذاهب لخطبة فتاة، يذعن لاختيارات صديقه، من رابطة عنق ودبوس وأزرار فضية. يفاجأ أن والدها يعرف عنه كل شىء، بل ينسب له أمور مشينة. يوافق الخطيب على الابتعاد عن الابنة، مقابل تدخل والدها من أجل نقل الخطيب المرفوض إلى منصب أفضل.. أيامها، قرأنا القصة على أنها هجائية مزدوجة. ضد أجهزة التنصت وتجميع المعلومات وممارسة الابتزاز وتلفيق التهم من ناحية، وضعف وتخاذل واستسلام المواطن من ناحية أخرى.

للخطوبة،نصيب كبير فى السينما المصرية، قُدمت فى عشرات السياقات، وبعنوان «الخطيب نمرة 13» حقق الرائد محمد بيومى فيلما مبكر، عام 1933، يتابع فيه، على نحو كوميدى، زواج ابنة مدير البنك المتواضعة الجمال، بعد هروب اثنى عشر خطيبا منها.. وينهض فيلم «خطيب ماما» لفطين عبدالوهاب 1971، على مفارقات سوء التفاهم، وينتهى نهاية سعيدة.

تحولت الخطوبة فى أفلام محمد هنيدى ومحمد سعد إلى مواقف اجتماعية وإنسانية ساخرة، لا تخلو من تهكم.. فى «همام فى أمستردام» لسعيد حامد 1999، يذهب الشاب، المفلس، الذى لم يوفق فى الحصول على عمل، مع والدته ـ إنعام سالوسة ـ لخطبة جارته، مدفوعا بما يشبه الحب.. تقع إجاباته الصادقة على أسئلة والد الفتاة، عثمان عبدالمنعم، المستنفر أصلا، وقع الصواعق المتلاحقة، تنتهى بطرده، هو ووالدته.. وفى «رمضان مبروك أبوالعلمين» لوائل إحسان 2008 يؤدى دور مدرس لغة عربية، مخلص ومتزمت، ترحب به أسرة الخطيبة ترحيبا شديدا، ووسط الزغاريد ينهال بالأسئلة على الفتاة، كى يعرف، برعونة، مدى التزامها بالأخلاق. وحين يتجاوز حدوده، تنشب معركة بينه وبين والدته ــ ليلى طاهر ــ من ناحية، ووالد العروس من ناحية.

مقابلات الخطوبة، فى معظم أفلام «اللمبى» تتسم بطابع شديد الطرافة، أقرب إلى «الاسكتش» الضاحك، حتى لو كان محمد سعد مجرد ابن عبلة كامل التى يطلب يدها حسن حسنى، أو إذا ذهب مع صديقه، الذى ينتقى خطيبة طاعنة فى السن، خالية من الجمال، كما حدث فى «اللى بالى بالك» لوائل إحسان 2003، وطبعا يترك محمد سعد العنان لانفعالاته المتفجرة، التى تؤدى لخناقة.

كل أسرة، غالبا، تحتفظ بألبوم الخطوبة، يعود لها أفرادها لإجراء نوع من الجرد: من ذهب ومن جاء، كيف تغيرت الوجوه، ماذا فعلت الأيام بفلان أو فلانة.. وأظن أن ذاكرة الوطن ستظل محتفظة بصور نادرة لخطوبات، جرت مراسمها، داخل كنائس محترقة. التناقض بين قتامة الجدران الكالحة والعمدان المعوجة واللوحات الجدارية التى التهمتها النيران، كلها مقبضة للنفس، تتعارض تماما مع أناقة المحتفلين، وعلامات الرضاء والبشر المرتسمة على وجوه باسمة، فما يعنى أن الحلو من الممكن أن يتوافر حتى فى قلب المر، وأن الحرائق لابد، فى النهاية، أن تنطفئ، وأن استمرار الحياة أقوى من عوائقها.. فى إحدى الصور، فتاتان محجبتان، رقيقتان، تنظران بمحبة خالصة، لصديقتهما السعيدة، فتمنحان الصورة، بسخاء، عبقا طيبا، يبدد رائحة الدخان.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات