مانديلا - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 5:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مانديلا

نشر فى : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 يناير 2014 - 8:00 ص

التفكير فى هذا الفيلم، لا يقل متعة عن مشاهدته، فطوال ساعتين، نتابع، بانتشاء ساحر، حكاية نعرفها، من دون اكتشافات أو إضافات. ومع هذا، يبدو العمل مبتكرا، جديدا، يتهاوى على الشاشة بشاعرية خلابة، ابتداء من المشهد الافتتاحى، لأطفال سود، ينطلقون جريا فى حقل ممتد، مع صوت مانديلا، الحنون الدافئ، بأداء الممثل البريطانى «إدريس ألبا»، معبرا عن محبته لكل هذه الوجوه التى عاش معها، والتى لم تبهت فى ذاكرته أبدا.. وانتهاء بطفل جنوب أفريقيا، وسط عائلته الكبيرة، وقد أصبح أول رئيس أسود لبلاد عانت طويلا من نظام الفصل العنصرى المقيت، الذى تسبب فى مقتل الآلاف من أبناء الشعب، الأفارقة، على يد قوات البطش التى يملكها الحكام البيض.

وقائع الفيلم معروفة، لكن الجديد هو روحه.. تلك الروح الطيبة، الشفافة، التى لا مكان فيها للحقد أو الكراهية أو الرغبة فى الثأر، وإن كانت ترنو إلى الحرية، وتؤمن بالعدل، وتعمل، بلا كلل، وبإرادة من حديد، من أجل تحقيق المثل العليا، فضلا عن استعدادها لدفع فاتورة الأمانى، حتى لو بلغت «27» عاما فى السجن.

«إدريس ألبا»، مع الممثلة ــ البريطانية أيضا ــ «ناعومى هاريس»، التى أدت شخصية «وين» زوجة مانديلا، من المفاتيح الأساسية لفهم سحر الفيلم.. «إدريس»، قرأ ما كتب عن الرجل، وشاهد مئات الشرائط الوثائقية، وحين التقاه، طبعا قبل رحيل الزعيم بعدة شهور، أدرك أنهما يختلفان شكلا، ولونا، فتقاطيع وجه مانديلا أكثر دقة، وشبح الابتسامة لا تفارق شفتيه، ولون بشرته ليست داكنة كما الحال عند «إدريس»، وبالتالى قرر أن يجسده من الداخل، وأن يسبر غوره، فاكتشف أن «مانديلا» أقرب إلى النور.. ضياء ما يشع منه حتى وهو صامت، وقرر أن يؤدى الشخصية وقد امتلأ بهذه الأحاسيس.

أما «ناعومى هاريس»، فإنها عايشت «وينى» بشمول وعمق، شاهدت الأشرطة التسجيلية، وصورها الفوتوغرافية، فى المظاهرات، المؤتمرات، بين أصدقائها، وأدركت ما تنطوى عليه شخصيتها من قوة العزيمة، وصلابة المواقف، وشجاعة المواجهة.. وبينما صرحت بأن «وينى» تعيش تحت جلدى، قالت لها وينى، عقب مشاهدة الفيلم «أنت لم تمثلى دورى. أنت جسدتينى كما أنا».

المخرج، حستون تشادوبك، يتابع، بأسلوبه الشاعرى الناعم، الطريق الطويل نحو الحرية، الذى يقطعه مانديلا، منذ اشتغل فى المحاماة، دفاعا عن قضايا السود، واكتشافه أن العدالة لا يمكن أن تتحقق، فى ظل قوانين ظالمة، يفرزها ويقرها مجتمع قائم على الفصل بين أبناء بلد واحد، وبالضرورة، لابد من الثورة. ينضم إلى حزب المؤتمر، مع آخرين، يقدمهم الفيلم بتوقير جميل، وفى ذات الوقت، لا يتعامل مع مانديلا كأسطورة، أو بطل فردى ينقذ شعبا، بل يبين، ربما على استحياء، بعض أخطائه، التى استحق عليها التأنيب من والدته، مثل ضربه لزوجته الأولى، عقب لقائه بـ«وينى» التى أحبها.. وتتجلى روح التسامح، فى الفيلم، أكثر من مرة، وهو تسامح قائم على فهم عميق للتاريخ، وللطبيعة الإنسانية.. فى «جزيرة روين» التى نفى فيها «مانديلا»، المعزولة، المهجوة، الموحشة، يبدو الحراس، السجانون، برغم غلظتهم، أقرب للمقهورين، شأنهم شأن المساجين، وحين يدرك الحكام الطغاة، أن وقت التغيير جاء، ولا فكاك منه، يتوقع بعضهم أن يقوم السود بالثأر من البيض، يؤكد «مانديلا» أن العدالة، عندما تتحقق، لن يكون، مع الأيام، أى نزعة لتصفية الحساب.. «مانديلا»، فيلم نورانى إن صح التعبير، يترك فى النفس قدرا غير قليل من النور، وهذا أجمل ما تقدمه السينما للناس.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات