فى ذكرى هجمات سبتمبر: التوافق بين أمريكا والقاعدة حول رواية واحدة - ضياء رشوان - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى ذكرى هجمات سبتمبر: التوافق بين أمريكا والقاعدة حول رواية واحدة

نشر فى : الإثنين 13 سبتمبر 2010 - 9:46 ص | آخر تحديث : الإثنين 13 سبتمبر 2010 - 9:46 ص
انقضت أعوام تسعة بعد وقوع الهجمات المفاجئة التى استهدفت برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية فى واشنطن يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001، تغير فيها وجه العالم وبخاصة ما يقع منه فى الجزء الإسلامى والعربى.

تغير العالم وصارت بلداننا العربية والإسلامية غير تلك التى كنا نعرف قبل الحادى عشر من سبتمبر 2001، فقد اجتاحت قطاعا مهما منها ــ وبحجة القضاء على الإرهاب ــ القوات الأمريكية لتحتلها وتعيث فيها تدميرا وتخريبا كما هى الحال اليوم فى العراق وأفغانستان، وحذت حذوها القوات الإسرائيلية وبنفس الحجة فى لبنان وغزة.

كما اجتاحت معظم البلدان الإسلامية والعربية داخليا موجات واسعة من التغيرات السياسية والأمنية بنفس حجة القضاء على الإرهاب أسفرت من ناحية عن اتساع نسبى لظاهرة العنف الإسلامى المتطرف ومن ناحية ثانية عن اتساع أكبر لحركات الإسلام السياسى المعتدلة والجماعات السلفية الأكثر محافظة وتشددا وبعدا عن العنف والسياسة.

وفوق كل ذلك عرفت غالبية البلدان العربية والإسلامية موجات أكثر اتساعا من الحراك السياسى المعارض بصفة خاصة، أسفرت عن تحريك كثير من الأوضاع السياسية التى كانت قد وصلت إلى مستوى بائس من الركود والتحجر على الرغم من عدم تحولها إلى تغيرات محورية فى أحوالها السياسية، وكانت مصر وبعض الدول العربية القريبة منها هى المثال الأبرز لها.

ومع كل هذه التغيرات المهمة، فطوال تلك السنوات التى انقضت منذ وقوع هجمات سبتمبر ظل شىء واحد لم يلحقه التغيير وهو تلك الرواية الشائعة المتعلقة بطريقة وقوع هذه الهجمات والجهة المسئولة عنها.
فبعد ساعات قليلة من انهيار البرجين فى نيويورك وتحطم أحد أجنحة البنتاجون وحتى اليوم اعتمدت الإدارة الأمريكية، وتبعها فى ذلك معظم حكومات العالم وأجهزة إعلامه، رواية واحدة بسيطة وواضحة لما جرى مفادها أن تسعة عشر شابا عربيا منتمين لتنظيم القاعدة قاموا باختطاف أربع طائرات ركاب مدنية وفجروها فى البرجين والبنتاجون. وبعد أسابيع قليلة من نفى قادة القاعدة وعلى رأسهم أسامة بن لادن الاتهام الأمريكى للتنظيم بالمسئولية عن الهجمات، توالت طوال الأعوام التسعة تصريحات وشرائط مرئية وصوتية وكتابات من جانب نفس هؤلاء القادة وغيرهم تؤكد مسئولية تنظيمهم عن الهجمات التى صارت تعرف فى قاموسهم بغزوة سبتمبر.

وهكذا فقد بدا واضحا للعالم أجمع أن الطرفين، الجانى المفترض والمجنى عليه الحقيقى، قد اتفقا على رواية واحدة لا تكاد تختلف فى التفاصيل على ما جرى صبيحة الثلاثاء الدامى فى نيويورك وواشنطن قبل تسعة أعوام.

بذلك بدا واضحا ولافتا أيضا طوال تلك السنوات التسع أن الطرفين الرئيسيين للصراع الأكبر الدائر على المستوى العالمى منذ وقوع الهجمات الإجرامية، أى الإدارة الأمريكية وتنظيم القاعدة، يختلفان بل ويتناقضان فى كل شىء عدا اتفاقهما على روايتهما الرسمية المعتمدة لما جرى يوم الحادى عشر من سبتمبر 2001 بنفس التفاصيل التى كان للطرف الأمريكى السبق الزمنى فى الإعلان عنها. وبدا هذا الموقف غريبا ولافتا حتى اللحظة، فكل التفاصيل التى يذيعها أحد الطرفين حول ما جرى فى هذا اليوم وتلك الساعات القليلة التى غيرت وجه العالم، يسارع الطرف الثانى لكى يؤكدها وقد يزيد عليها تفاصيل أخرى تزيد من وضوحها وتؤكد نفس المعانى التى أراد الطرف الأول توصيلها من خلالها.

وما بدا أكثر غرابة ولفتا للنظر فيما يخص تلك التفاصيل أن مصدرها جميعها ومصدر تلك الرواية الوحيدة المعتمدة عالميا لما جرى يوم الحادى عشر من سبتمبر ظل دوما هو الطرفين المتصارعين وحدهما دون وجود أى مصادر أخرى من أى دولة أو جهة أمنية غير أمريكية أو جماعة أخرى غير القاعدة، بالرغم من تداخل معظم دول العالم وأجهزته الأمنية وعدد من الجماعات والحركات الإسلامية فى هذا الملف خلال السنوات التسع المنصرمة، وهو ما أعطى تلك الرواية سمة «احتكارية» دفعت الكثير من المراقبين والمتابعين إلى طرح تساؤلات وشكوك كثيرة وجادة حول صدقها ودقتها.

والحقيقة أن تزايد هذه التساؤلات والشكوك حول حقيقة ما جرى فى ذلك اليوم خلال السنوات التسع التى مضت نبع أساسا من الملاحظات السابقة والتى بدت غير طبيعية فى ظل ما هو معروف من وجود اختلافات كبيرة أو صغيرة بين الفرقاء والمتصارعين على مستوى العالم وخلال تاريخه الحديث حول حقيقة الأحداث الرئيسية التى فجرت صراعاته وأزماته الكبرى، سواء كانت الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو أزمة الصواريخ الكوبية أو العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 أو العدوان الإسرائيلى فى يونيو 1967 أو الغزو العراقى للكويت عام 1990 أو الحروب الهندية ــ الباكستانية أو حتى الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وغيرها من صراعات وأزمات دولية كبرى. كذلك، فإن إصرار الإدارة الأمريكية ــ حتى اليوم ــ على عدم السير فى التحقيق حول حقيقة ما جرى فى ذلك اليوم فى المسارات والقنوات القضائية والقانونية الطبيعية المعتمدة فى النظام القضائى الأمريكى لمحاكمة المتهمين فى مثل تلك الجرائم الكبرى، والاكتفاء بإجراء تحقيقات وبعض المحاكمات الجزئية السرية فى قاعدة جوانتانامو العسكرية بعيدا عن رقابة الرأى العام وأهالى الضحايا وهيئات الدفاع، أكد لكثير من الناس أن ثمة «أسرارا» و«فجوات» كبرى فى الرواية الرسمية لا تريد الإدارة الأمريكية ــ والقاعدة معها ــ أن تظهر فتحطم هذه الرواية المعتمدة.

فقد تحولت هجمات سبتمبر على يد الإدارة الأمريكية بالتشارك مع القاعدة من «حادثة جنائية» كبيرة أدت إلى قتل نحو ثلاثة آلاف شخص وتدمير ممتلكات خاصة وعامة كان من الطبيعى أن يكون القضاء هو المكان الأول الذى يحاكم المسئولون عنها فيه، إلى «واقعة سياسية» سعى الطرفان إلى استغلالها كل بطريقته من أجل تعظيم مكاسبه ومصالحه السياسية والعسكرية على حساب الطرف الآخر.

وهنا بالضبط يظهر المنطق الذى كمن طوال السنوات التسع الماضية وراء التوافق الغريب والاستثنائى بين طرفى الصراع حول الرواية الرسمية لما جرى يوم الحادى عشر من سبتمبر. فهذه الرواية تحقق للإدارة الأمريكية مصلحة مباشرة فى تقديم العدو الجديد بصورة ضخمة تبرر حشدها للرأى العام الداخلى والعالمى وراء قراراتها وسياساتها الكبرى التى اقتحمت بها العالم كله، كما تبرر لها تعبئة الموارد المالية الهائلة التى استخدمتها فى تنفيذها.

وعلى الجانب الآخر، كان ــ ومازال ــ من مصلحة تنظيم القاعدة أن يقدم نفسه لأعضائه ومناصريه باعتباره قويا وقادرا على مواجهة عدوه ــ الدولة الأقوى فى العالم ــ وإصابته بضربات موجعة فى عقر داره، وهو ما تمثله له هجمات سبتمبر 2001. أما غير ذلك من أسباب وعوامل وراء ذلك التوافق الغريب والاستثنائى بين الإدارة الأمريكية والقاعدة حول حقيقة ما جرى منذ تسع سنوات، فسيظل على الأرجح فى طى الكتمان لسنوات وربما لعقود لن تكون بالقطع قصيرة.
ضياء رشوان  كاتب مصري وباحث في شئون الجماعات الإسلامية
التعليقات