أردوغان فى العراق - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأربعاء 22 مايو 2024 12:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أردوغان فى العراق

نشر فى : الثلاثاء 30 أبريل 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أبريل 2024 - 7:25 م

حظيت زيارة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للعراق فى 22 أبريل 2024 باهتمام سياسى وإعلامى كبير. ويرجع ذلك إلى كثافة واتساع نطاق الإعداد للزيارة على أعلى مستويات سياسية واقتصادية وفنية فى البلدين على امتداد ثمانية أشهر رغبة فى أن تكون الزيارة نقطة تحول فى العلاقات التركية العراقية فى جميع المجالات، والخروج من دائرة التوتر والخلافات الأمنية والسياسية التى اتسمت بها العلاقات السياسية بين البلدين لفترات طويلة، كما أن الزيارة تأتى فى توقيت تتصاعد فيه الأزمات فى منطقة الشرق الأوسط سواء بأزماته المستمرة فى سوريا واليمن وليبيا، والقضية الفلسطينية وحرب الإبادة التى تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى واعتبار إيران طرفا غير مباشر فى هذه الحرب. وكانت آخر زيارة لأردوغان للعراق فى مارس 2011، أى أن الزيارة الحالية تأتى بعد غياب نحو 13 عاما.
وقد تناولت الزيارة عدة ملفات ذات أهمية خاصة لتركيا والعراق، مع ملف جديد يعد تحقيقه طفرة كبيرة فى العلاقات بين البلدين، بل وبين دول الخليج وتركيا وهو ما أطلق عليه «طريق التنمية» الذى من المفترض أن يربط بين ميناء الفاو فى البصرة وتركيا، ويتكون من خط سكة حديد، وطريق برى سريع، وتقدر تكلفة المشروع بنحو 17 مليار دولار أمريكى، ويتم تنفيذه على عدة مراحل تنتهى الأولى عام 2028 وستعتمد فى أجزاء كبيرة منها على السكة الحديد والطرق البرية القائمة، والمرحلة الثانية تنتهى فى عام 2033 والثالثة فى عام 2050، ويبلغ طول الخطين المتوازيين للسكة الحديد والطريق البرى نحو 1200 كيلومتر. ونظرا لضخامة المشروع من ناحية وأن خدماته لن تكون قاصرة على تركيا والعراق، لذا شاركت كل من قطر والإمارات العربية مع تركيا والعراق فى توقيع مذكرة تفاهم بشأن مشروع طريق التنمية، والاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة إجراءات بدء تنفيذ المشروع بما لدى الدول الأربع من إمكانات وخبرات. وصرح وزير النقل التركى أن نقل البضائع من الخليج إلى تركيا على طريق التنمية سيستغرق وقتا وتكلفة أقل من نقلها عن طريق البحر الأحمر وقناة السويس أو عن طريق رأس الرجاء الصالح.
• • •
أما الملف الأمنى البالغ الأهمية لتركيا فهو محاربة حزب العمال الكردستانى (التركى) الموجود فى المناطق الجبلية الوعرة وعدة مدن على امتداد شمال العراق على الحدود مع تركيا، والذى تصنفه تركيا على أنه منظمة إرهابية تمثل تهديدا مستمرا لأمن تركيا وهما فى حالة حرب مستمرة على مدى عقود، وأدت إلى أن تقيم تركيا عدة مراكز عسكرية لها داخل الأراضى العراقية، وتشن غارات مستمرة من داخل تركيا على مواقع ومراكز حزب العمال الكردستانى الذى لم تستطع إضعافه أو القضاء عليه. ومن أهم أهداف الزيارة الاتفاق على القيام بعمليات عسكرية تركية عراقية مشتركة ضد الحزب، تتولى تركيا بموجبها الجوانب العسكرية، ويقدم العراق المعلومات وإحداثيات مواقع ومراكز تجمعات ميليشيات الحزب داخل العراق. وقد بذلت تركيا، وما زالت، جهودا مكثفة لإقناع العراق بتصنيف حزب العمال الكردستانى تنظيما إرهابيا، إلا أن أقصى ما أمكن التوصل إليه أن أصدر مجلس الأمن القومى العراقى قرارا باعتبار الحزب «تنظيما محظورا» فى العراق، وأن وجوده على الأراضى العراقية يتعارض مع الدستور العراقى. ومن ثم، فإنه وفقا لهذا القرار يكون من حق السلطات العراقية مطالبة الحزب بإخراج ميليشياته وتنظيماته من العراق، كما يعطى الحق للحكومة العراقية فى المشاركة مع تركيا للعمل على التخلص من هذا الحزب الذى يمثل تهديدا أمنيا للعراق، كما يؤدى إلى توتر واحتقان مستمر فى العلاقات التركية العراقية.
ولكن مسألة التخلص من حزب العمال الكردستانى تحيطها عدة صعوبات، حيث لا تتوفر لدى السلطات العراقية كل المعلومات الدقيقة عن أعداد قوات الحزب وأسلحتها وكل أماكن تمركزها فى المناطق الجبلية، هذا إلى جانب انضمام عناصر عراقية إلى الحزب سواء من أكراد العراق أو السنة. كما أن أقصى ما يمكن أن تفعله الحكومة المحلية فى إقليم كردستان العراق الوقوف على الحياد، وإن كان ذلك يصعب الالتزام التام به. وقد حرص أردوغان على زيارة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق والتقى مع قياداته وبحث معهم التعاون فى مكافحة حزب العمال الكردستانى ولم ينشر أو يتسرب الكثير عن هذا اللقاء مما قد يشير إلى أنه ركز على أوجه التعاون التجارى والاقتصادى وأوضاع الأقلية التركمانية فى الإقليم والأقاليم المحيطة. كما أن لإيران أيضا دورا عن طريق الموالين لها فى العراق فى موضوع حزب العمال الكردستانى، وارتباط ذلك بالمساعى العراقية التركية لموازنة دور إيران فى العراق والذى يلقى اهتماما من فصائل من الشيعة العراقيين ومن إيران نفسها. ومن ثم، فإن زيارة أردوغان قد تكون حققت بعض الإنجازات فى هذا الموضوع، إلا أن الطريق ما يزال طويلا ومحفوفا بالصعوبات.
• • •
أما ملف المياه، فيعد أيضا من الملفات المعقدة بين البلدين، حيث يعانى العراق فى السنوات الأخيرة من نقص كبير فى المياه الواردة من المنابع فى تركيا عن طريق نهر دجلة والفرات، وهو ما أدى إلى جفاف ونقص فى المحاصيل الزراعية، نظرا لإنشاء تركيا عدة سدود لحجز المياه وليس لتوليد الكهرباء الذى يضمن استمرار تدفقها، إلى جانب نقص فى الأمطار. وقد كان آخر السدود التى أقامتها تركيا سد إليسو الذى افتتح فى عام 2018. ويلاحظ أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق واضح ومحدد بشأن مشكلة المياه وربما للربط بينها وبين موضوعات أخرى وفى مقدمتها مكافحة حزب العمال الكردستانى، وخطوط وأنابيب البترول والغاز من العراق إلى ميناء جيهان فى تركيا وتسوية الغرامات التى حكمت بها المحكمة التجارية الدولية فى باريس لصالح العراق عن الفترة التى كانت تركيا تسمح فيها بتصدير البترول من منطقة كردستان العراق دون موافقة الحكومة العراقية المركزية فى بغداد، مخالفة لاتفاق تشغيل خط أنابيب البترول الموقع بين العراق وتركيا فى عام 1974. وكان قد تم إغلاق الخط فى عام 2023، وجرى بحث إعادة تشغيله لمصلحة الجانبين، حيث تحصل تركيا على كميات من البترول والغاز العراقى الذى يتم تصديره إلى الدول الأوروبية عبر خطوط الأنابيب وميناء جيهان التركى.
وتدل تصريحات الرئيس أردوغان عقب انتهاء زيارته للعراق فى طريقه إلى تركيا أن مشكلة المياه لا تزال قيد البحث، حيث قال إن أزمة المياه ليست من نوع المشكلات التى تحل سريعا؛ حيث يتعين بحث الظروف الفنية ووضع سيناريوهات مستقبلية، والحاجة إلى استخدام الموارد برشد، وأن لدى العراق مطالب قديمة من تركيا بشأن المياه، والأمر يتطلب طرح خطط وبرامج جديدة مناسبة للظروف المناخية والمتغيرات العالمية ولضمان الاستخدام المستدام للمياه، وعدم تجاهل أن تركيا لديها مشكلات مياه قائمة كثيرة مثل العراق وهى ليست غنية بالمياه بل تعانى من «الإجهاد المائى» وأنها تتبنى نهجا عقلانيا لإيجاد حلول لهذه القضايا، بدلا من «النهج العاطفى» وستواصل الحوار بحسن نية، وأن المياه ليست أداة للصراع بل للتعاون يخدم المصالح المشتركة.
• • •
أما ملف مكافحة الإرهاب ــ وهو بالنسبة لتركيا مكافحة حزب العمال الكردستانى، فإن ما قاله الرئيس أردوغان فى طريق عودته لأنقرة يدل على مدى صعوبة التعقيدات المحيطة بالموضوع، حيث قال إن تركيا عازمة على إنهاء الإرهاب بطريقة أو بأخرى، مع الالتزام بالقانون الدولى واحترام سيادة الدول الأخرى، وأنه لن يفسح المجال أبدا للذين يعملون مع التنظيمات الإرهابية ويستخدمونها أدوات لهم وأذرعة يستهدفون بها استقرار العراق ونموه وسلامته، وأن إزالة هذا التهديد فى مصلحة العراق، ولأمن الاستثمار والتنمية فيه، ويتعين تجفيف مستنقع الإرهاب فى كل من سوريا والعراق، وأن يتم ذلك ليس بجهود تركيا فقط، وإنما بالتعاون مع دمشق وبغداد، وستواصل تركيا محاربة الإرهاب داخلها وخارجها. وقال إنه شدد فى المباحثات مع الجانب العراقى على أنه يتوقع أن يصنف العراق حزب العمال الكردستانى منظمة إرهابية.
• • •
وقد حظى ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية باهتمام خاص استمرارا للعلاقات التجارية القائمة، والتى كانت فى نمو مستمر رغم التوتر والاحتقان السياسى والأمنى بين البلدين. وبلغت قيمة التبادل التجارى بينهما خلال عام 2023 نحو 19 مليار دولار أمريكى. وتم أثناء الزيارة توقيع مذكرة تفاهم بإنشاء اللجنة الاقتصادية التركية العراقية المشتركة، ومذكرة تفاهم بشأن آلية التشاور حول سلامة المنتجات والحواجز الفنية أمام التجارة الثنائية، ومذكرة تفاهم بين مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركى، واتحاد غرف التجارة العراقية، بهدف تحقيق مضاعفة قيمة وحجم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين فى ظل احتياج العراق إلى عملية إعادة إعمار وتفعيل التنمية فى عدة أقاليم عراقية.
وقد أثار لقاء الرئيس أردوغان مع قيادات الأحزاب والجماعات السياسية من السنة بعض الانتقادات سواء من حيث ترتيب اللقاء الذى بدى وكأن الرئيس أردوغان يرأس الاجتماع، أو من الإشارة إلى عودة الاتجاهات السنية التركية إلى العراق، ومناقشة بعض الشئون الداخلية العراقية مثل انتخاب رئيس سنى للبرلمان العراقى؛ حيث إن المنصب ظل شاغرا من عدة أشهر، وأوضاع الأقلية التركمانية فى العراق. بينما اعتبر آخرون أن اللقاء كان وديا وعاديا وقد تكون السفارة التركية أخطأت فى ترتيب أوضاع الجلوس فى الاجتماع.
وإذا نجحت سياسة تركيا الجديدة القائمة على الواقعية مع العراق وأمكن إنجاز مشروع طريق التنمية، والتغلب على الصعوبات التى تواجه مشاركة العراق العملية فى مكافحة حزب العمال الكردستانى، فإن ذلك سيكون طفرة فى الحركة التجارية من الخليج إلى تركيا وما لها من آثار اقتصادية كبيرة على دول المنطقة، ويمثل ضربة قوية لحزب العمال الكردستانى لصالح تركيا. ويبقى ملف المياه الذى من الواضح أن تركيا ستستخدمه ورقة فى سعيها لتنفيذ خطتها الأمنية العسكرية فى العراق ضد حزب العمال الكردستانى، وكلا الملفين، الحزب والمياه، غاية فى الأهمية لكلا الطرفين.


مساعد وزير الخارجية الأسبق

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات