بن على.. الغائب الحاضر - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بن على.. الغائب الحاضر

نشر فى : الإثنين 13 يونيو 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : الإثنين 13 يونيو 2016 - 11:10 م

احتلت شخصية بن على الصدارة فى الإعلام الرسمى والعمومى طيلة عقود من الزمن وظل هذا «الحاكم المستبد» فى مركز اهتمامات التونسيين إما مدحا لفضائله وتمجيدا لإنجازاته أو انتقادا لسياساته وفضحا لممارساته. وما إن هرب «صانع التحول» إلى السعودية حتى رأيناه يعود مرة أخرى إلى واجهة الأحداث. فالجميع يستمتع باستقصاء ما كان يجرى فى قصر بن على ويتابع بشغف البرامج التى تخصصت فى كشف المستور.

وظن التونسيون أن بن على لن يُذكر إلا فى سياق المحاكمات أو من خلال سرديات الاعتبار والاتعاظ والتذكير بالماضى الأليم. ولكن سرعان ما رجعت شخصية بن على لتؤثث خطاب المنتقدين لسياسات الحكومات الانتقالية المتتابعة أو المتحسرين على امتيازات ضاعت ومصالح توقفت أو المرعوبين من مواجهة الواقع المعقد والأزمات المتعددة أو المهووسين بعقد المقارنات بين ما كان عليه الأمر زمن بن على وما آل إليه الحال فى زمن هواة السياسة والمتطفلين عليها.
***
فى البدء كان ذكر بن على همسا وبعيدا عن منابر الإعلام فمن ذا الذى يجرأ على خدش كبرياء الثوار والراغبين فى الإصلاح ولكن شيئا فشيئا صار الترحم على بن على فى كل آونة وفى جميع الأفضية بلا استثناء. وما من شك أن «صعود الإسلاميين إلى الحكم» وفشلهم فى إدارة المرحلة قد فتح شهية المتحسرين على الماضى وجعلهم أكثر قدرة على التعبير عن حنينهم إلى رجل حال دون استشراء الإرهاب فى البلاد. هذا بالإضافة إلى «رسكلة» عدد من التجمعيين وقبول النهضة بالتفاوض معهم، ففى مقابل «نسيان الجرائم» إسداء للخدمات وفى مقابل «التسامح» تقديم الولاء وهكذا ظهرت الوجوه القديمة وعادت إلى سالف نشاطها السياسى والاقتصادى.

ولم يتوان بعض الإعلاميين عن «تبييض المفسدين» ففتحت المنابر أمام مداحى بن على والمهللات بكل صفاقة: «الله أحد الله أحد بن على ما كيفو (مثله) أحد»، بل إن النهضة قبلت أن ينضم إلى مرشحيها فى الانتخابات عدد من التجمعيين الذين عرفوا بانخراطهم فى منظومة الفساد ولا غرابة فى ذلك فمن دخل حزب النهضة صار آمنا.
***
بن على حاضر من خلال حاشيته التى صارت تتكلم عن مآثره وسياساته الحكيمة وتنبه التونسيين إلى ما هم عليه من ضيق فأين «الأمن والأمان» وأين الاستقرار وأين التنمية؟ بن على حاضر من خلال معجبيه Fans الذين فتحوا عشرات صفحات الفيس بوك لينشروا صوره وأخباره وليعلنوا أمام الملأ عن حبهم ورغبتهم فى أن يعود إلى البلاد... بن على حاضر من خلال قوانين «لا لإقصاء التجمعيين» ومبادرات للمصالحة معهم... بن على حاضر من خلال أنصاره و«عيونه التى لا تنام».
وما إن هل شهر رمضان حتى أطل علينا بن على من خلال برنامج «ألو جدة» برنامج ظاهره هزل وباطنه جد عرى عددا من الشخصيات وفضح النفاق السياسى وأزال الحجب عن ممارسات التزلف والنفاق و... ولأننا عشنا طيلة عقدين نحدق فى بن على وأسرة الطرابلسية اختزلنا السقوط الأخلاقى فى هذه الأسرة الحاكمة ونسينا أن بن على كان الشجرة التى أخفت الفروع... وما انتبهنا إلى أن فساده قد حجب علينا الرؤية ومن فرط ما تتبعنا أخباره لم نتبين انحرافنا ولم نتمكن من أن نحدق بملء العين فى المرآة ولم نبصر عيوبنا وما آل إليه أمرنا وأغفلنا قوله تعالى «وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون».
***
أزماتنا اليوم باتت متعددة... يحلو للبعض التركيز على الأزمة السياسية أو الأزمة الاقتصادية أو الأزمة الاجتماعية وقلما يعترف المحللون والدارسون بأن الأزمة الأخلاقية تأتى فى سلم الترتيب وأن الإرباك الذى أصاب المنظومة القيمية قد أفضى إلى تعطيل فاعليتها فأنى لنا أن نُحمِل بن على كل أوزارنا؟ إنه لم يخرج من التاريخ إنه حاضر فينا وإن كابرنا... شاهد على سقوطنا وإن ادعينا الطهر والبطولة... «وفى أنفسكم أفلا تتفكرون» فتعقلون.

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات