شكرى سرحان - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شكرى سرحان

نشر فى : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص

فنيا، ولد نجم الأيام الخوالى، عدة مرات.. صحيح، تقول صفحته إنه جاء للدنيا فى 12 مارس 1925، ورحل عنها فى 29 مارس 1997، بعد أن قدّم أكثر من «150» فيلما، بدا فيها نموذجا لـ«فتى الشاشة الأول»: وجه متسق الملامح، بعينين غائرتين واسعتين، تعبران بدقة وشفافية عما يعتمل بداخل صاحبهما، فوقهما حاجبان كثيفان، يتماشيان مع الأهداب الطويلة وشعر الرأس الغزير، الفاحم السواد، اللامع، فضلا عن قوام ممشوق، دافق بالحيوية.. إنه الشاب المهيأ للحب منذ النظرة الأولى، يوحى بالثقة ورقة العواطف، يطالعنا، فى عشرات الأفلام، فى دور الفتى المحبوب، المتأنق «الجنتل»، مرتديا أفخم الثياب، يجيد الإمساك الساحر بالكأس. يسحب أنفاس «البايب» برقة ومهارة. يهيم بنظراته فى عينى الحبيبة، يصر على الاقتران بها، مهما كانت العوائق.. هذه الأدوار، فى جوهرها، هى دور واحد، بأداء مكرر، من فيلم لآخر، وبذات «الكليشيهات» المحفوظة. لكن موهبة شكرى سرحان، التى صقلها له زكى طليمات، إبان دراسته فى المعهد العالى للتمثيل، كانت أكبر من الاستسلام داخل الشرنقة التى فرضتها عليه السينما المصرية، فاستطاع أن يحطم جدارها، بفضل كبار مخرجينا، فأسندوا له أدوارا لا علاقة لها بأبعاد نجومية «الفتى الأول»، فبدأ، مع كل عمل مختلف، وكأنه، يولد من جديد.. والمفارقة تكمن فى أن مجد شكرى سرحان، يتجلى فى أدائه البارع لتلك الشخصيات التى تحرر فيها من أغلال وقناع النجم.

 

على يد يوسف شاهين، صلاح أبوسيف، توفيق صالح، ولد شكرى سرحان ثلات مرات، فى أقل من أربعة أعوام. شاهين، الجرىء، نزع بذلة النجم ومنحه جلبابا متواضعا وأخفى شعره الطويل تحت طاقية متربة، واستبدل «البايب» بالفأس، فجعله «حميدة»، «ابن النيل» 1951، المفعم بالأشواق تجاه العاصمة.. أما صلاح أبوسيف، فإنه قرر، بمعاييره التى لا تخيب، تحطيم صورة النجم الشهم، طوق نجاة البطلة المغلوبة على أمرها، وأن يسند له شخصية موظف حسابات تافه، تكوينه النفسانى مهلهلا، مثل ملابسه، يستدرج ضحايا لوكر «ريا وسكينة» 1953.. ومن إخراج توفيق صالح، يقدم، بصدق ومهارة، دور «عجلاتى»، فى «درب المهابيل» 1955، يتصارع مع سكان زقاق من أجل انتزاع ورقة «الياناصيب» من يد المعتوه الذى حصل عليها عن طريق المصادفة. شكرى سرحان هنا، بقميصه الكاروهات، وبنطاله القديم، وبطريقته العفوية فى تعليق الدراجة على هلب مثبت فى الجدار، يعطى مذاق الحقيقة.. والملاحظ، على طول مسيرة فناننا أنه كلما اقترب من الواقع، انطلقت طاقته على نحو أكثر إبداعا.. وربما من الممكن اعتبار العشرات من بطولاته كنجم مجرد ــ دورا واحدا، يتضاءل إذا قورن بمواقف يعبر فيها عن عناء قطاعات واسعة من الناس. فى «الزوجة الثانية» لصلاح أبوسيف ١٩٦٧، يجبره العمدة، وبطانته، على طلاق زوجته، وبأداء مرهف، وبينما هو محاصر بمجموعة بشرية أقرب للوحوش، لا يستطيع أن يلقى بيمين الطلاق، فيتوقف، ويجفل، لكن المصيدة تحكم الخناق عليه.. وأظن أن مشهده فى نهاية «البوسطجى» لحسين كمال 1968، يرتفع بقامته، بل بقامة الأداء التمثيلى المصرى. يعبر فيه عن مأساة التخلف التى طالته، يرتدى جلبابا مهلهلا، تماما مثل شخصيته وقد ترك شعر ذقنه نابتا، مشعثا، وأخذ يمزق خطابات القرية، تذروها الريح.. إن لمعان الفنان، يتألق، خلف قناع النجم.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات