سفير أمريكا بالألوان الطبيعية - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 6:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سفير أمريكا بالألوان الطبيعية

نشر فى : الأربعاء 12 سبتمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 سبتمبر 2012 - 8:25 ص

بعض الكتب تخرج من المطابع لتدخل، فورا، فى دوائر النسيان.. وأخرى، تولد لتبقى، وربما يعاد طباعتها، لتنتقل، بضيائها، من جيل لجيل. ولعل «سفير أمريكا بالألوان الطبيعية»، المكتوب بقلم الفنان التشكيلى، المخرج، كامل التلمسانى، الذى صدر منذ أكثر من النصف قرن، أن يكون نموذجا للأعمال التى لا تفقد توهجها، بمرور الأيام، لذا أعيد نشره الآن.

 

حيث سيدرك القارئ لماذا يتحدث النقاد عن الكتاب وكاتبه، بدرجة عالية من التقدير والتوقير، بل يذهب الكثير منهم ــ وأنا مثلهم ــ إلى أن النظر للأفلام، وتحليلها، وتقييمها، يختلف، بعد «سفير أمريكا».. عما كان عليه قبل ظهوره إلى النور.. الكتاب، أثر إيجابيا، فى جيل كامل من النقاد: سمير فريد، أحمد رأفت بهجت، فتحى فرج، على أبوشادى.. ثم، فى جيل تال، من أهمهم طارق الشناوى، وائل عبدالفتاح، عصام زكريا، وأظن أن الإصدار الجديد للكتاب، سيمتع القارئ من ناحية، وسيعمق ويضيف كثيرا، للنقاد الجدد، من ناحية ثانية.

 

كامل التلمسانى «1915 ــ 1972»، المفعم بروح الثورة، صاحب الفيلم الواقعى الشهير «السوق السوداء» 1945، الذى يثبت فيه أن المجاعة ليس قدرا، ولكنها من صنع جشع التجار وفساد النظام، قرر عقب حرب السويس 1956، المشاركة فى معركة وطنه، من أجل الاستقلال، والحرية، ومناهضة العدو، ماديا ومعنويا، فبعد أن حمل السلاح، خلال العدوان الثلاثى، حمل القلم، ليكشف عدوا آخر، يستهدف العقول والعواطف، يتمثل فى أفلام هوليود التى تخلب، برونقها المزيف، عشاق السينما، فى ربوع العالم. وإذا كان السفير، رسميا وفى لغة السياسة، هو مندوب دولة ما فى دولة أخرى، يتحدث ويتحرك فى الدوائر الحكومية والرئاسية، فإن الفيلم السينمائى هو مندوب دولة، فى الدوائر الشعبية، يتحدث، ويقنع الجماهير بأفكاره، وقيمة، ورؤيته، حتى إذ كانت ضد مصالح الناس..

 

وللتلمسانى أسلوب شديد الجاذبية والخصوصية، فهو يوجه كلامه لك كصديق حميم، ابن بلد، بسيط وصادق. أول جملة فى الكتاب «199» صفحة من القطع الكبير هى «لا أريد أن أطيل عليك..» ثم يبدأ فى حديثه الدافئ عن الأفلام، وكأنك تشاهدها معه، وينبهك، برقة، من دون ادعاء أستاذية، إلى مغزى تلك الجملة، ومعنى ذلك الموقف، ودلالة هذا المشهد، ويتبين معك الهدف من أفلام الكوارث الطبيعية، مثل أفلام «النمل» العملاق الذى يغزو العالم ويتمكن البطل الأمريكى من إيقافه والقضاء عليه.. ويتعرض للأفلام التى تقدم الزنجى والأصفر والأسمر والأحمر كأناس أقل مرتبة من البطل الهوليودى الذى يشفق عليهم جميعا، وأفلام الحروب التى تخوضها أمريكا من أجل حرية العالم!.. وطوال صفحات الكتاب، لا ينسى التلمسانى انتماءه إلى وطنه مصر.. وهنا تكمن النقلة التى أحدثها الكاتب المثقف فى النقد السينمائى. فيما قبل، كانت المقالات، على الأغلب، تقتصر العلاقة فيها بين ناقد وشاشة.. وفيما بعد، أصبحت العلاقة بين كاتب مصرى، وطنى، له قضيته، وفيلم سينمائى، وراءه ما وراءه.

 

الكتاب، يحسب له، أنه لا يضع الأفلام الأمريكية، كلها، فى سلة واحدة. لكن يشاهد معك، بامتنان، أفلام شارلى شابلن، وأخرى مأخوذة من أعمال آرثر ميللر وهوارد فاست، وتعرض مبدعوها إلى مطاردة اللجان المعادية للحرية المعروفة باسم «المكارثية».. إنه كتاب ولد ليبقى، ويؤثر، ويضىء.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات