بنت نورى بوزيد.. المشاكسة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 9:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بنت نورى بوزيد.. المشاكسة

نشر فى : الجمعة 11 ديسمبر 2015 - 11:30 م | آخر تحديث : الجمعة 11 ديسمبر 2015 - 11:30 م
عقب استلامها جائزة مرموقة فى حفل ختام مهرجان قرطاج، توجهت الفتاة النحيلة، ذات الجسم الضئيل، نحو الميكروفون.. ببساطة، ومن دون تردد، طالبت بالإفراج عن ستة آلاف شاب، ما يزالون فى المعتقلات، بلا محاكمة.
كلامها، الذى لم يعلق عليه أحد من الموجودين على المنصة، جاء بعد أيام قليلة من الحادث الإرهابى الخسيس، الشهير، وفى الوقت الذى تحدث فيه البعض عن ضرورة الوقوف صفا واحدا، وتقبل، برحابة صدر، أية قوانين استثنائية، بما فيها حظر التجول.. مخرج الأمسية، ركز الكاميرا على وجه والدها، المحبوب، نورى بوزيد، المبتسم فى رضاء، منتشيا بفوز ابنته فنيا، مغتبطا باعتراضها على الزج بشباب، مثل بطلة فيلمها، فى السجون.. ربما ساعتها، تذكر الرجل السبعينى ـ الذى أصبح من أيقونات السينما التونسية ـ السنوات الخمس التى قضاها وراء الأسوار، متهما بالتآمر ضد الدولة، وإعادة تنظيم يسارى غير مرخص له، ونشر أخبار كاذبة، والعيب فى حق رئيس الدولة.
عنوان الفيلم «على حلة عينى»، ومعناه «ما أن فتحت عينى»، تدور أحداثه فى عام 2010، قبل شهور من سقوط نظام زين العابدين بن على، ويعتمد على شخصية شابة صغيرة، متفتحة للحياة، اسمها فرح، بأداء «بية مظفر»، ترفض الامتثال لرغبة والدتها التى تريد انخراط ابنتها فى دراسة الطب، ذلك أن الغناء يستهويها، تتحايل بكل السبل من أجل الانضمام لفريق موسيقى يقدم أغنيات تعبر عن الواقع التونسى المتسم بالاستبداد.. تنجح فى مسعاها، تطالعنا، المرة تلو المرة، وقد ارتبطت عاطفيا بعراب الفرقة، المشعث الشعر، بأداء «منتصر العيادى»، وتنتقل معه، والفرقة، من بار إلى ملهى ليلى، لترتفع عقيرتها، بأغانى «الروك»، ذات الطابع الانتقادى، فى تلك الأماكن المعبقة بالدخان، المكتظة بشباب يتجرعون زجاجات لا تنتهى من الجعة.
تقديم البطلة، على هذا النحو، لا يثير التعاطف بقدر ما يبعث على الرثاء، خاصة أنها فى العديد من المواقف، تبدو فالتة العيار، مما يدفع أحد زملائها إلى التحرش بها، وحين ترفضه، يثأر منها، ومن حبيبها، بالوشاية بالفرقة كلها، إلى سلطات الأمن.
خلل الفيلم لا يكمن فى بناء شخصية «فرح»، العابثة أكثر من كونها ثورية أو متمردة، ولكن يمتد ليشمل السيناريو المتهالك المكتوب مشاركة بين المخرجة والفرنسية مارى صوفى شمبون، الذى تجاهل واقع تونس عشية الثورة، اللهم إلا فى إشارة عابرة، متعجلة، تتعلق بغياب الأب، والد «فرح»، عن البيت، لأنه يعمل مسئولا فى أحد مناجم الفوسفات، بمدينة «حفصة»، حيث يعانى العمال من ظروف بالغة القسوة، نسمع عنها فى الفيلم دون أن نراها رأى العين، علما بأن الاحتجاجات الواسعة، التى اندلعت فى هذه المدينة، عام 2008، وقمعتها قوات النظام، كانت من مقدمات ثورة تونس ضد النظام، بعد أقل من عامين.
لم يربط السيناريو بين الخاص والعام، ظل محاصرا فى علاقة الأم المنزعجة من رعونة ابنتها، ومعها الحق فى هذا، ثم أخذ الفيلم، إخراجيا، يتسكع بين شباب رقيع، يغنى أغنيات انتقادية، فى الخمارات، وبطاقم فرنسى، مكون من المصور سيبستيان غوفارت، والمونتير أو المونتيرة ليلان كوربيل، ومهندس الصوت لودفيك فان باشتربيكى، تتوالى مشاهد مزوقة، مزخرفة، متسارعة، لأذرع الفتيان، فى المراقص، ترتفع وتنخفض، وأخيرات تهتز على الموسيقى الصاخبة، بالإضافة لزخم ألوان الإضاءة المتبدلة.
قبل الربع الساعة من نهاية «ما أن فتحت عينى»، تختفى فرح، نظن مع والدتها أنها هربت من حبيبها، عراب الفرقة، المدخن للمخدرات، ولكننا نكتشف أن أجهزة القمع قبضت عليها، وتحت صورة زين العابدين، يداهمنا فاصل من التعذب، أشد وطأة من مشهد «فرج» مع سعاد حسنى فى «الكرنك»، فالضابط، بزيه المدنى، يمد يده تحت ملابس الفتاة الجالسة أمامه، مقتحما بأصابعه الوحشية مكان العفة.. وها هى الممثلة الواعدة «بية مظفر» تجأر بالصراخ.
بناء على توصية صديق أمنى كبير، كانت تربطة علاقة بالأم، يتم الإفراج عن البطلة التى ينتهى بها الفيلم وهى تقبل وتحضن صاحب الشعر المشعث، قائد الفرقة.
موقف ليلى بوزيد الشجاع، مساء توزيع الجوائز، جدير بالإعجاب، على نحو يتناقض مع «على حلة عينى» المسطح، المتخبط.. لقد ورثت عن والدها الجميل، تلك القدرة على المشاكسة النبيلة، لكن، لم تثبت أنها ورثت قبسا من موهبته الكبيرة.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات